السؤال
السلام عليكم
منذ سنتين ونصف وأخي -21 عاما- يعاني حالة نفسية، شخصها طبيب أنها فصام، ثم ذهبنا لطبيب آخر فشخصها أنها أفكار ذهانية، والحالة تتلخص في أفكار أن الله أنزل عليه غضبه، وأن الناس تكرهه، وذلك لأنه كان يفرط في صلاته وعباداته في سن المراهقة، وربما تتزايد هذه الأفكار لدرجة أنه يترجم أي صوت خارجي مثل: نباح الكلاب، أو صوت الماكينات إلى رسالة رفض من الله لتوبته، وقد تصدر منه أصوات غريبة مثل الكحة بصوت عال، وهو الآن يأخذ أدوية (schizofy 30- ramedeep- olapex 10 mg).
الآن يتقرب لله بكل شكل مثل: الصيام والقيام والقرآن، يشعر بتحسن الحالة، لكن تعود إليه هذه الأفكار من حين لآخر، والآن يرفض الخروج من البيت، أو التعرف على الأصدقاء، أو المشاركة في النقاش، كما لاحظنا أخيرا ضعف ذاكرته بشدة، وقلة تركيزه، وهو طالب بكلية الهندسة وقد رسب في أحد سنوات الدراسة بعد هذا المرض، وهو الآن يرفض تماما الذهاب للأطباء، ولا أعرف كيف أقدم له المساعدة الصحيحة.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ي.ح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نسأل الله تعالى لهذا الشاب الشفاء والعافية.
بما أنه قد قام بمقابلة الأطباء فهذه خطوة صحيحة، والتشخيص الأول أنه يعاني من مرض الفصام، وقام الأخ الطبيب الآخر وذكر أنه يعاني من أفكار ذهانية، لا يوجد أي تناقض بين التشخيصين، فالأفكار الذهانية هي جوهر الفصام، ويقصد بالأفكار الذهانية: أي الأفكار الناشئة من اضطراب عقلي، وفي حالته قطعا الطبيب أخذ بهذه الأفكار الغريبة كمعيار أساسي لتشخيص مرض الفصام، وهو في ذات الوقت حالة ذهانية معروفة.
يجب ألا ننزعج كثيرا للمسميات التشخيصية، فهنالك الكثير من التباين في بعض الأحيان، لكن أيضا عوامل الالتقاء كثيرة في هذه التشخيصات، وبالنسبة للأفكار الذهانية أو الأمراض الذهانية –وكذلك الأمراض الفصامية–: العلاج الدوائي هو الأساس، وهي ذات العلاجات، واستعمال الأدوية المضادة للذهان هو الأصل في الأمر، ومن الواضح أن الطبيب قد قام بوصف الأدوية المضادة للذهان، والتي هي في الوقت نفسه مضادة للفصام.
المحك الأساسي والفارق يأتي -حقيقة- من الالتزام بالدواء، الذين يلتزمون بالعلاج، ويتناولونه بانتظام وبترتيب قطعا فرصهم في الشفاء أو على الأقل في التحسن كبيرة جدا، أما الذين لا يلتزمون بالعلاج –وهذا بكل أسف كثيرا ما نشاهده لدى مرضى الفصام، وكذلك مرضى الحالات الذهانية– قد تتضاءل فرص علاجهم بصورة سليمة نسبة لعدم التزامهم، لذا نحن دائما ننبه الأسر على أهمية ملاحظة المريض، وتشجيعه ومراقبته في تناول دوائه، ولا يكفي فقط أن نقول له (يجب أن تتناول دواءك)، لا، يجب أن نشرف عليه، وأن نحبب ذلك له، وأن نتأكد أنه بالفعل قد قام بابتلاع الدواء، لأن بعض المرضى يضعون الدواء تحت اللسان، وبعد أن ينصرف الأهل يقومون بتفله وعدم بلعه، فإذن التأكد من تناول الدواء هو العلاج الأساسي.
في بعض الأحيان نلجأ لإعطاء حقن زيتية طويلة الفعالية، تعطى مرة كل أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة أسابيع، وهي معروفة جدا لدى الأطباء، هذا كله تسهيل كبير في مجال العلاج -بفضل الله تعالى-.
أفكار هذا الأخ من وجهة نظري قد يكون فيها جانب وسواسي وجانب اكتئابي، حيث إن الاكتئاب الذهاني أيضا قد يعطي مثل هذه الأفكار، بالنسبة لموضوع الوساوس، يجب أن نعطيه اهتماما في حالته، لكن الوساوس تكون ثانوية ناتجة من الحالة الفصامية أو الذهانية.
هنالك باب كبير جدا في الطب النفسي يعرف بالعلاج التأهيلي، والعلاج التأهيلي يقصد به: أن نساعد المريض على استعادة مهاراته السابقة وتطويرها، وكذلك اكتساب مهارات جديدة، ويبدأ هذا الأمر بمساعدته وتنبيهه حول نظافته الشخصية، تنظيمه لوقته، تطوير مهارات التواصل الاجتماعي، مشاركة الآخرين في مناسباتهم، تنظيم النوم، تنظيم الطعام، ممارسة الرياضة، هذه كلها أمور تأهيلية مهمة جدا، وحقيقة أهميتها لا تقل أبدا عن تناول الدواء، فأرجو أن تلتفتوا لهذا الأمر، هذا الشاب –حفظه الله– يحتاج قطعا للتشجيع، للتحفيز، ليقوم بواجباته الدينية كاملة، ولكي ينظم وقته من أجل الدراسة.
لا شك أن هذه الأمراض ذهانية كانت أو فصامية تقلل من التركيز، هذا يجب أن نعترف به، ويجب أن نراعيه، وأنا أعتقد أن هذا يجعلنا نجد العذر لهؤلاء الشباب، الذين يصابون بمثل هذه الأمراض إذا كان أداؤهم الأكاديمي ليس جيدا، وأنا كثيرا ما أنصح الآباء والأمهات الذين يأتون بأبنائهم لنا، ويعانون من مثل هذه الأمراض، أنصحهم كثيرا بأن تكون الدراسة في الكليات ليست ذات المطالب الأكاديمية العالية، هذا مهم جدا، الدراسات الوسط التي لا تتطلب عمليات ذهنية شديدة، هذه ربما تكون أفضل كثيرا لمثل هؤلاء المرضى.
إذن مجال العلاج موجود، ومجال التأهيل موجود، وأرجو أن تساعدوا هذا الشاب في تناول دوائه، وتكونوا حذرين جدا، وفي أوقات التحسن -والتي سوف تأتي إن شاء الله تعالى– تكونوا أكثر حرصا على إعطائه الدواء، كثير من الأسر تبدأ في لا أقول التجاهل، لكن يحدث لهم نوع من الاسترخاء حين يتحسن المريض، وهنا قد يكون التهاون من جانب المريض في تناول الدواء يجد فرصة كبيرة.
لذا عليكم بدعم هذا الشاب، احرصوا على أن يتناول دوائه، وأن يتواصل مع طبيبه، ونصيحة أخرى هي: وضع البرامج التأهيلية التي تحدثت عنها، أن ينبه لها، أن يحفز، ولا بد أيضا أن نشعره بأن له كيانا مصانا، وأنه مرغوب في الأسرة، وأن نجعله يشارك في القرارات الأسرية، نشجعه على الصحبة الطيبة، هذه كلها وسائل علاجية مهمة جدا.
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.