أنا شريفة ولكني أتعلق بالرجال وأحاول جذب اهتمامهم، فما السبب؟

0 466

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على هذا الموقع الرائع، فأنا أقرأ لكم كل يوم، وجزاكم الله خيرا.

أنا امرأة أرملة، ولدي طفلة، عمري 32 سنة، وعلى قدر من الجمال، محجبة -والحمد لله-، تزوجت وعمري 18 سنة، مشكلتي أنني ومنذ صغري أحاول جلب اهتمام وعطف كل رجل أكلمه في عملي، وفي الشارع، وفي أي مكان كيفما كان نوعه صغيرا كان أم كبيرا، أعزبا أم متزوجا، وحتى إن كان عجوزا، وأتوقع من أي أحد كلمني، ولو بشكل عادي أنه معجب بي، ويهتم لأمري فأفرح كثيرا، وأتعلق به تعلقا شديدا دون أن أبدي له شيئا من ذلك، وما إن يختفي من حياتي حتى أصدم صدمة شديدة، وأبكي وأحزن ثم أنسى بعد ذلك لأعاود الكرة مع أحد آخر.

لا تحسبوا أنني إنسانة غير محترمة، فأنا أخاف الله، ولم أقم بفاحشة أبدا منذ أن توفي زوجي قرابة 10 سنوات، وقد تعرضت لعدة مساومات، لكني أرفض؛ لأنني أخشى الله، وسمعتي وشرفي فوق كل اعتبار، وإنما هي أحاسيس في نفسي، لكنها تؤرقني وتدمر نفسيتي، لا أخفيكم أنني حتى عندما كنت متزوجة كنت أعاني من هذه المشكلة، ولو أنني كنت أحب زوجي رحمه الله كثيرا، ولكن ليس بشكل كبير كما هو الحال الآن بعد أن ترملت.

وإن سألتموني عن طفولتي سأقول إني عشت طفولة قاسية مع أب لطالما تمنيت أن أحظى بحنانه وعطفه واحترامه واهتمامه، لكن لم يكن له هم سوى العمل، وجمع المال بحجة توفير العيش الكريم لنا أنا وأخواتي الأربع، وقد كان يمنعنا من الخروج من البيت إلا للمدرسة فقط، ويفسر ذلك بكونه يريد الحفاظ على سمعتنا من كلام الناس.

أما أمي فقد كانت تفضل أختي الكبرى دائما، وكذلك أبي، وكنت أتعرض للإهانة والضرب منهما دائما بسببها.

اليوم أنا لا أحقد -والحمد لله- على أحد، لكنني أود أن أعرف هل هذا مرض نفسي أعاني منه أم هو أمر عادي؟ وكيف أتخلص من هذه المشاعر التي أخشى أن تقودني إلى فعل الفاحشة، خاصة وأنها تتفاقم معي يوما بعد يوم؟

ساعدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

وصفك لحالتك واضحة، وهذا المسلك الذي تحدثت عنه فعلا يستحق الاهتمام، وربما تكون هنالك عدة تفسيرات له، فهذه الميولات والانجذابات وحب التواصل مع الرجال حتى وإن كان بريئا وشريفا كما ذكرت، إلا أنه بالطبع تصرف وسلوك ليس بالحميد، وليس بالجيد أبدا، فهو يشوه صورة المرأة ولا شك في ذلك، كما أنه يؤدي إلى نزاعات وجدانية وعاطفية داخلية.

ومثل هذا التصرف يتعلق بالشخصية، لا أعتبره مرضا نفسيا، إذا اعتبرناه مرضا فسوف نكون غير منصفين، لكنها ظاهرة وسمة تستحق الاهتمام كما ذكرت لك.

بعض النساء من ذوات ما يسمى بالشخصية النرجسية قد يكون لديهم مثل هذا التصرف، محاولة لفت نظر الرجال، محاولة أن تكون المرأة دائما تحت مظلة اهتمام الرجل، أن يثنى عليها (وهكذا..) وليس من الضروري – كما تفضلت وذكرت – أن يكون هناك قصد أو نية لفعل الحرام.

في بعض الأحيان مثل هذه المشاعر الوجدانية حتى وإن كانت سالبة لكن بعض النساء يتخذنها كنوع من العلاقات التعويضية، المرأة التي عانت في طفولتها وتكونت لديها فكرة سلبية عن الرجل أبا كان أو أخا، ربما يأتيها شيء ويدفعها نحو تكوين هذه العلاقات التعويضية.

هذا هو التفسير - أيتها الفاضلة الكريمة – والذي أراه، وربما تكون هناك تفسيرات أخرى، المهم في الأمر هو: أن تستدركي أن ما تقومين به ليس بالأمر الصحيح، أنا أحترم مشاعرك جدا وأقدرها جدا، وأنت سيدة محترمة، حباك الله بأشياء كثيرة، ومنها الجمال، ولديك طفلة، وقطعا أنك قد ترملت، هذا شيء محزن ولكنه مقدر، ونسأل الله تعالى أن يعوضك بزواج طيب ومستقر، فأنت لا زلت في سن صغيرة، ولك مميزات كثيرة، أعتقد أن تفكيرك يجب أن يسير في هذا المسار، أن تتزوجي من رجل محترم، يكفيك عن كل هذه المشاعر التعويضية التي تبحثين عنها، وفي ذات الوقت يجب أن تضعي كوابح وضوابط حقيقية أمام عواطفك ووجدانك، ضعي الأمور في قالب الحلال والحرام، هذا ضروري، وهذا مهم، وهذا فاعل جدا، وسوف يجعلك إن شاء الله تعالى تحقرين فكرة بناء أو نمو هذه العلاقات، وحتى إن قدم إليك أحد ليبني علاقة على هذه الشاكلة؛ قطعا سوف يكون لديك الاستبصار والصرامة والمقدرة أن توقفي مثل هذه الأفاعيل عند حدها.

هذا هو الذي أراه، والشيء الآخر المهم جدا: أعتقد أنه من المهم لك أن تكون لك رفقة طيبة من النساء الصالحات، اتجهي في هذا الاتجاه، ويمكنك أن تنخرطي في بعض الأعمال الخيرية النسوية الجيدة، وكذلك الأعمال الاجتماعية، ويا حبذا لو التحقت بأحد مراكز تحفيظ القرآن، هذا إن شاء الله تعالى فيه خير ودفع إيجابي كبير جدا بالنسبة لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم – استشاري أول طب نفسي وإدمان
تليها إجابة الشيخ/ موافي عزب – مستشار الشؤون الأسرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن هذه الرغبات المحبوسة التي تحاولين مقاومتها تزعج إزعاجا عظيما وتسبب للمرأة المسلمة نوعا من الحرج خاصة فيما بينها وبين الله تبارك وتعالى، إذ أنها متقلبة المزاج، وتسعى لإشباع شيء وهمي بعيدا عن قواعد الشرع، فنفسها تتمنى وتشتهي، ولكنها لخوفها من الله تبارك وتعالى لا تقرب الفاحشة.

فهذه المعركة الداخلية إنما هي حقيقة نوع من المجاهدة في الله سبحانه وتعالى، كون الإنسان له رغبات وله شهوات جامحة ترغب في الإشباع المحرم إلا أنه يقاوم ذلك ويحاول أن يحد من أثره فهذا نوع من المجاهدة كما ذكرت، والمعركة هذه لن تتوقف إلا إذا أدخلنا بعض التغيرات على سلوكنا – أختي الكريمة الفاضلة فاطمة – من هذه:

أولا: لابد أن تعلمي أن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه المقادير الارتباطات والعلاقات، بمعنى أن الله تبارك وتعالى كتب لكل امرأة حظها من الرجال، ولكل رجل حظه من النساء، ولا يمكن لأي أحد أبدا من البشر أن يغير هذه المنظومة مطلقا إلا إذا توجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء.

فنصيبك سوف يأتيك قطعا، أما تطلع المرأة إلى الرجال أو رغبة الإنسان في أن يشبع نفسيته بالإعجاب وغير ذلك، فهذا مما لا شك فيه ليس بحميد ولا مستحب، بل إنه أمر مذموم، لأن الإنسان إذا تابع شهواته فإنها قد تكون في بداية الأمر مجرد رغبات نفسية، إلا أنها مع شدة إلحاحها قد تتحول إلى واقع، وقد تقود إلى الفاحشة كما ذكرت أنت في رسالتك.

لذا أنصحك – بارك الله فيك – بداية بغض البصر قدر الاستطاعة، لأن الله تبارك وتعالى أمر النساء كما أمر الرجال بقوله: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}. فأول أمر في العلاج غض البصر عن الرجال مطلقا، والاجتهاد في ذلك، وأنا أعلم أنك قد تعانين بعض المعاناة، ولكنك سوف تنتصرين في نهاية الأمر؛ لأن الله قال: {إن الله مع الذين اتقوا} فكونك تجتهدين في غض البصر حتى لا تملئي عينيك بالحرام، هذا سيكون أول عامل من عوامل القضاء على تلك المشكلة بإذن الله تعالى.

الأمر الثاني: عدم مخاطبة الرجال في غير ما حاجة شرعية ضرورية، بمعنى أننا لا نختلق موضوعات نتحدث فيها مع الرجال، وإنما اجعلي كلامك مع الرجال كملح الطعام، لا تتوسعي في الكلام مع أحد، ولا تنظري إليه وأنت تتحدثين إليه، ولا تحاولي أن تتمنينه، إلى غير ذلك، وقاومي هذه الأفكار، فإنك بذلك ستجففين منابع هذه المشكلة، لأن هذه المشكلة مع الأسف الشديد مشكلة تربوية قديمة، وهي ما زالت تلح عليك بقوة، والشيطان اعتبرها فرصة ويحاول أن يضغط عليك بكل قواه لكي يوقعك فيما حرم الله تبارك وتعالى.

فعليك كما ذكرت لك – أختي الكريمة الفاضلة – أول أمرك إنما هو غض البصر، الأمر الثاني: لا تتحدثي مع الرجال إلا كملح الطعام، بمعنى إذا كنت في أمس الحاجة إلى الحديث مع رجل فليكن في أضيق الحدود، لا تنظري إليه وأنت تتحدثين إليه أو يتحدث إليك، لا تحاولي أن تعملي بخيالك في أن هذا من الممكن أن يكون المعجبين بك أو غير ذلك، وإنما حاولي أن تقطعي ذلك.

أكثري دائما من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأن الشيطان هو الذي يزين هذه الفواحش. اجتهدي في الدعاء أن الله تبارك وتعالى يحفظك ويثبتك على الحق، وأن الله يعافيك من ذلك. كما أوصيك أن تجتهدي في الدعاء أن الله يمن عليك بزوج صالح الذي يرزقك الله تبارك وتعالى معه الأمن والأمان والاستقرار. اجتهدي وألحي على الله في ذلك.

أوصيك كذلك بالإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بنية الشفاء من هذه الأشياء الشاذة الغير مشروعة، وكذلك أيضا بنية أن يمن الله تبارك وتعالى عليك بالزوج الصالح.

أيضا أوصيك بالاجتهاد في أن يرزقك الله العفاف والحياء والفضيلة، وأن يعوضك خيرا في الدنيا والآخرة، فتذكري وتصوري ما أعده الله لأمثالك في الجنة من النعيم المقيم ومن الجزاء المتميز جراء تركك للحرام ابتغاء مرضاة الله تعالى، واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فألحي بالدعاء، اجتهدي في ذلك.

حاولي أن تضعي لك برنامجا يوميا تقرئين فيه قدرا من القرآن الكريم، اجتهدي في حضور بعض المواعظ والدروس العامة التي تكونين فيها وسط الأخوات الصالحات الفضليات، حاولي أن تتخيري لك صحبة صالحة تتحدثين إليهن بمكنون نفسك من الأمور التي يجوز لك أن تتكلمي فيها مع غيرك، وبإذن الله تعالى سوف تنتصرين على ذلك.

لكن كما ذكرت لك اجتهدي قدر الاستطاعة في ألا تجعلي هذه الأفكار تسيطر عليك، بمعنى كلما جاءتك هذه الرغبة أو هذه الفكرة حاولي أن تقاوميها بأن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وأن تتفلي على يسارك، وأن تغيري واقعك الذي أنت عليه، فإذا كنت نائمة فاجلسي، وإذا كنت جالسة فقومي، وإذا كنت قائمة فاخرجي من الغرفة وتحركي، وألحي على الله تعالى بأن يعافيك من ذلك، لأن هذه كلها خطوات الشيطان، وإذا لم تجتهدي وتنتبهي لنفسك – أختي الكريمة – فقد يستدرجك الشيطان إلى معركة خاسرة تخسرين فيها دينك ودنياك، خاصة وأنك أخت فاضلة وملتزمة ومحبة لله ورسوله، وأنك ولله الحمد والمنة حريصة ألا تقعي في الحرام، ولكن مع كثرة الطرق قد يفتح هذا الباب، فاجتهدي في إغلاقه بقوة، وذلك باللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والإلحاح عليه سبحانه أن يعافيك، وأن يعجل لك بالفرج، وحاولي ألا تتعرضي للرجال، وألا تتواجدي في الأماكن التي يكثر فيها الرجال، عسى الله أن يمن عليك بالستر في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات