أعاني من طيبة القلب الزائدة مع الرهاب الاجتماعي وأواجه بالسخرية والتأنيب والابتعاد.

0 565

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

لا أدري من أين أبدأ: لقد تعبت من أن أكون طيب القلب، عندما كنت صغيرا لم أكن أعلم بأني هكذا، ولكن مع التعمق في العلاقات والمجتمع وجدت بأني شخص طيب القلب، أو في المصطلح المعروف عند الناس (على نياته)، أنا لم أخجل يوما أو أستحي من كوني هكذا؛ لكن المشكلة في نظرة الناس إلي، فأغلب الناس تعتبرني غبيا، وتستغبيني أغلب الوقت، والبعض الآخر لا يقترب أبدا مني، والباقي منقسمون بين ضحك وسخرية علي لكوني هكذا.

وبعضهم يعاملوني فقط من جهة الشفقة، أغلب الأصدقاء هجروني، والباقي منهم يخاف مني إذا رآني بمكان، أو يجعل نفسه كأنه لا يعرفني حتى لا يكون في حرج من معرفته لي، وقد حدث هذا معي عدة مرات؛ ربما لأني لا أحب التصنع أو النفاق، فأنا أقول ما في قلبي، هذه مشكلة.

أما المشكلة الثانية والتي هي مرتبطة بالأولى بشكل وثيق فهي: الخجل والرهاب الاجتماعي، لقد حاولت كثيرا إقناع نفسي بأني لست هكذا ولكن بدون فائدة، قرأت كثيرا من كتب تقوية الشخصية، والشخصية الفعالة، وتحسنت لمدة، ولكن رجعت لنفس الحالة؛ لأني لم أجد جدوى من ذلك، بالإضافة إلى التأنيب الدائم والمستمر من طرف الأسرة بسبب حالتي.

الناس لم يعودوا يتقبلوا شخصية مثل هذه، وأغلبهم يواجهون بسخرية وضحك أو بالكلام من خلفي، أتمنى أن ترشدوني إلى طريق الصواب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا.

هناك في الحياة أمور نسبية، وتختلف من شخص لآخر، وخير الأمور أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط، ومن هذه الأمور موضوع "طيبة القلب" فالإنسان مطالب بطيبة القلب والرأفة على الناس والتعامل الحسن إلا أن هذه الأمور يجب ألا تقل كثيرا فيقسو قلب الإنسان، ولا تزيد هذه الطيبة كثيرا، بحيث يستغفله الناس، ويقول عمر بن الخطاب عبارة مفيدة هنا: "لست بالخب، ولا الخب يخدعني"، فالمفروض في الإنسان ألا يكون خبا محتالا مخادعا؛ إلا أنه في نفس الوقت لا يسمح للخب بخداعه.

يا ترى ماذا قصدت من عبارتك "طيب القلب" وفي أي المجالات؟

وقد ذكرت في سؤالك أنك لا تخجل أو تجد حرجا من طيبة قلبك؛ إلا أنك مهتم بنظرة الناس لهذا الأمر، وهنا يفيد أن تسأل نفسك سؤالا "إذا كنت مرتاحا لطبيعتك، فهل نظرة الناس إليك مشكلتك أو مشكلتهم؟" لا شك أنها مشكلتهم فيما يحملونه من أفكار وقناعات، فلا تشغل بالك بمشكلتهم.

وإن عاملك الناس بالشفقة أو الهجران أو غيرها، فهذه مشكلتهم أيضا، وليست مشكلتك، امض على بركة الله، والرسول الكريم يقول موجها لنا: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له".

بالنسبة للموضوع الثاني وهو: الخجل الاجتماعي، فهو لاشك مرتبط بالموضوع الأول، نعم تفيد جدا قراءة مواضيع التطوير والتنمية الذاتية، ومواضيع تقوية الشخصية؛ إلا أنه وكما يقال: ليس هناك من معلم أفضل من العمل والتطبيق والتجريب.

إن تجنب لقاء الناس وعدم الخروج إليهم والاجتماع بهم، لا يحل المشكلة، وإنما يجعلها تتفاقم وتشتد، وتزيد في ضعف الثقة بالنفس وفي خجلك الاجتماعي، ولذلك عليك بلقاء الناس والاختلاط بهم، وعدم تجنبهم بالرغم من الصعوبات، وستجد من خلال الزمن أن ثقتك في نفسك أفضل وأفضل، وأن ارتباكك الاجتماعي أقل وأقل، وستجد مقابلة الناس والحديث معهم أسهل بكثير مما كانت عليه في السابق.

وهكذا فالعلاج الفعال لهذا الحال هو: العلاج السلوكي، والذي هو ببساطة: اقتحام اللقاءات بالناس، وتحمل ما تشعر به من الانزعاج، وعدم الانسحاب من هذه المواجهة، حتى تعتد على هذا، وتزداد ثقتك في نفسك، بحيث يمكن أن تصل إلى حالة تستطيع معها اللقاء والحديث مع الناس بكل ثقة وارتياح، إن الكثير من المتحدثين العظام كانوا قد عانوا مما تعاني منه الآن من الخجل الاجتماعي، وهي مرحلة وستتجاوزها مع الزمن.

وبالإضافة للعلاج النفسي المعرفي هناك حالات، وليس بالضرورة أن تكون منهم، نصف فيها أحد الأدوية التي تساعد في هذا، وخاصة إن وجد مع الرهاب شيء من الاكتئاب، والذي يحدث بسبب الانسحاب من المجتمع، وضعف الحياة الاجتماعية.

أنصحك أولا: أن تحاول بنفسك الخروج من عزلتك والإقدام على مقابلة الناس، ولكن إن لم تنجح كثيرا ووجدت صعوبات كثيرة وطالت المعاناة، فأنصحك بألا تتأخر عن زيارة طبيب نفسي، أو أخصائي نفسي، فهذا قد يختصر لك الزمن.

حماك الله من كل سوء، ويسر لك أمورك.

مواد ذات صلة

الاستشارات