السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كما هو مشهور في حديث السبعة الذين يظلهم الله (... شاب نشأ في طاعة الله)، فهل ينطبق هذا الصنف على الشاب الذي أتى كبيرة من الكبائر ثم تاب منها؟
اقترفت كبيرة من الكبائر، وتبت منها منذ عام -والحمد لله- ولكني بعد التوبة مباشرة أصبحت أعاني من الخواطر والوساوس والتفكير الزائد، وأحلام اليقظة؛ مما أثر على قدراتي العقلية وحالتي النفسية، وتعاملاتي مع الناس، وأصبحت أنام متأخرا، وأشعر بالقلق والأرق، فما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mido حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، كما نشكر لك علو همتك وطمعك في أن تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغك ويبلغنا ذلك.
لا شك -أيها الولد الحبيب- أن فعل الذنب ينقص قدر الإنسان عند ربه، ولكن الله عز وجل شرع لنا التوبة لتكون ماحية لتلك الذنوب، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم– يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فمن صدق الله عز وجل في التوبة، وكانت توبة مستوفية لأركانها؛ بأن ندم على فعل المعصية، وعزم على ألا يرجع إليها في المستقبل، وتركها في الحال، وإذا كانت فيما بينه وبين العباد تحلل من المظالم، فإذا استوفت التوبة هذه الأركان فإن الله عز وجل يقبلها من صاحبها ويجعلها ماحية لذنوبه، كما قال سبحانه وتعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} بل وأعظم من ذلك أن الله سبحانه وتعالى وعد التائبين بأن يبدل سيئاتهم حسنات.
وهو سبحانه وتعالى لما يريد من إكرام التائب وإثابته على توبته يفرح بالتوبة كما أخبرنا بذلك نبينا –صلى الله عليه وسلم-.
والتوبة -أيها الحبيب- لا يتعاظمها ذنب، فأي ذنب مهما كبر فإن التوبة تمحوه، وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى عن ذنوب عديدة يدعو أصحابها إلى التوبة، منهم الكفار بأصنافهم الذين سبوا الله تعالى وآذوه، فقال سبحانه: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومن إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم} إلى أن قال سبحانه وتعالى: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم}.
وهكذا في الزنا والسرقة وقتل النفس، وغير ذلك من الجرائم والموبقات الكبيرة، دعا الله سبحانه وتعالى بعدها إلى التوبة، فالله عز وجل يغفر الذنوب جميعا مهما عظمت ومهما كبرت إذا تاب صاحبها منها، كما قال جل شأنه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
وبهذا تعلم -أيها الحبيب- أن ذنبك الذي فعلته إذا تبت إلى الله تعالى منه فإن الله عز وجل سيمحوه، فلا داعي للقلق، ولا داعي للخوف، بل قد ذكر العلماء –كما ذكر ابن القيم وغيره– أن تذكر الذنب إذا كان يؤدي بالإنسان إلى نتائج سيئة كالإحباط أو اليأس من رحمة الله، أو القعود والفتور عن الطاعة، أو غير ذلك من النتائج؛ فإنه ينبغي له في هذه الحالة أن ينسى ذلك الماضي ولا يتذكره ولا يلتفت إليه.
فحسن ظنك بالله سبحانه وتعالى، وظن به أنه محا ذنبك وغفر زلتك، وسيكون لك عند ظنك به، كما قال سبحانه عن نفسه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).
وأما بخصوص انطباق هذا الوصف (شاب نشأ في طاعة الله): فإن العلماء قد اختلفوا في معنى هذا الحديث؛ هل المقصود به: الشاب الذي نما وتربى في الطاعة بحيث لم يفعل المعصية، فلم تكن له صبوة، كما يقول كثير من شراح الحديث، أو المعنى الآخر –وهو المحتمل أيضا– كما يقوله جماعة من شراح الحديث منهم العلامة الباجي -رحمه الله تعالى– إذ يقول: " يحتمل أن يكون المراد من كانت حسناته أكثر من حسنات من كان في أول عمره أو شبابه، ووقع في معاص، ثم حسنت أعماله في آخر عمره" فيكون التفضيل هنا للشاب الذي كثرت الحسنات منه في الشباب وفي المشيب، وهذا المعنى محتمل.
ونحن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعلك من هذا الصنف، فإن التوبة –كما قلنا– تمحو ما كان من الذنب قبلها، وفضل الله تعالى واسع، وعطاؤه جزيل، فظن بالله تعالى خيرا يوصلك بإذن الله.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي ...... مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
(وتليها إجابة) د. محمد عبد العليم ...... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤالك سؤال جيد ومهم، وما أفادك به الشيخ أحمد الفودعي لهو كلام رائع، وإذا أخذت به وبنيت قناعاتك على أساسه أعتقد أن نفسك سوف تطمئن تماما، فأرجو أن تقرأ وتتأمل وتتدبر في كل ما كتبه الشيخ وأفادك به، نسأل الله تعالى أن ينفعك به.
من المنظور النفسي: الإنسان لديه نفوس متعددة لم يسمها علماء النفس التحليليين بـ (نفوس) إنما سموها بـ (أنا) و(الأنا العليا) لكن نحن من منظورنا الإسلامي نرى أن النفوس الثلاثة، وهي التي تقود الإنسان سلبا أو إيجابا نحو الخير أو نحو الشر، ولكن هذه النفوس أيضا هي تحت إرادة الإنسان لدرجة كبيرة، فهنالك (النفس الأمارة بالسوء - والنفس اللوامة - والنفس المطمئنة) وهذه النفوس تكتمل لدى أي إنسان، كل البشر لديهم مكونات النفوس الثلاثة، لكن قطعا لا تكون نشطة لدى جميع الناس وفي كل الأحوال، هنالك من تتسلط عليه نفسه الأمارة بالسوء؛ لذا تجده يسير في درب المعاصي دون وازع أو مراجعة للنفس، وهنالك أصحاب النفوس المطمئنة الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان والعمل الصالح، وهنالك النفوس اللوامة، وهي نفس رقيقة ولطيفة وطيبة، وهي التي تخرج صاحبها من عمل السوء وارتكاب المعاصي إلى أعمال الخير واكتساب الحسنات، أو هي التي خلطت عملا صالحا وآخر سيئا.
وأنت -أيها الفاضل الكريم- بعد أن أنعم الله عليك بنعمة التوبة بدأت نفسك اللوامة تبرز ذاتها بصورة قوية وفعالة، لتكون رقيبة عليك حتى لا تقع في هفوات أخرى، وهذا شيء إيجابي جدا، هذا التخوف، هذا القلق الذي عبرت عنه أعجبني جدا؛ لأنه دليل واضح أن توبتك إن شاء الله تعالى توبة قوية وثابتة وتقوم على أسس، ونفسك اللوامة هي الرقيب عليك، فأرجو أن تهنأ، وأرجو أن تنعم بهذه التوبة، والخواطر التي تأتيك والوساوس والتفكير الزائد وأحلام اليقظة كلها دليل على الحالة القلقية التي تعيشها، وذلك نسبة ليقظة الضمير عندك، ونسبة لعلو همتك، ونسبة لدلالة على أن المنظومة القيمية لديك أصبحت قوية وثابتة، وكما ذكرت لك هذا كله من خلال النفس اللوامة.
فإن شاء الله تعالى أنت سائر على طريق الطمأنينة، نفسك المطمئنة إن شاء الله تعالى ستكون هي السائدة، وتكون هي الرائدة، وعليك أن تحسن الظن بالله، وقد أوضح لك الشيخ (الفودعي) -جزاه الله خيرا- الخطوات الإيمانية التي تدرجت من خلالها حتى وصلت لهذه المرحلة.
أنا سعيد جدا بتوبتك، وأحمل لك بشرى عظيمة إن شاء الله تعالى: أنت على المحجة البيضاء، وأسأل الله أن يحفظك، ورتب أمورك الحياتية، وانطلق انطلاقة إيجابية في الحياة، أمامك الكثير الذي يمكن أن تقوم به.
أيها الفاضل الكريم: كاحتياط بسيط وحتى ترتاح نفسك وتتواءم بصورة أسرع، وتستطيع أن تتكيف مع الوضع السليم الذي تعمه الطمأنينة؛ أريدك أن تتناول عقارا بسيطا جدا يعرف باسم (أنفرانيل) وهو معروف جدا في مصر، واسمه العلمي (كلوإمبرامين) تناوله بجرعة: خمسة وعشرين مليجراما يوميا ليلا لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله، وهذا علاج داعم.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.