السؤال
أنا فتى في الثامنة عشرة من عمري, أصبت بوسواس شديد في العقيدة عند بداية استقامتي في شهر فبراير الماضي, لكني - بمعونة الله - شفيت منه بنسبة 70٪, وبقي سؤال واحد لا ينفك عني, وهو: "من خلق الله؟" - والعياذ بالله -.
هذا لأني لا أستطيع تصور ذلك عقليا - أي أن يكون من دون موجد - وقد أردت العمل بنصيحته صلى الله عليه وسلم بخصوص هده الشبهة, لكنها تراودني من جديد, خاصة وقت الفراغ, فأرجو أن تساعدوني على التخلص من هذه الفكرة المزعجة - جزاكم الله خيرا -.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ borhen حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
مرحبا بك - أيها الأخ الحبيب - في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يثبتنا وإياك على دينه حتى نلقاه، وأن يذهب عنا وعنك كل وسوسة ومكر من الشيطان، إنه جواد كريم.
هذا السؤال - أيها الحبيب - ليس شيئا جديدا، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يقذف في قلوب الناس هذا النوع من الشبه والوساوس، فقد قال في الحديث: (يا أبا هريرة, لا يزال الناس يسألونك حتى يقولون: هذا الله خلقنا, فمن خلق الله؟) وهو في الحقيقة سؤال سخيف, وشبهة ركيكة لا تستحق للجواب عنها إلى كبير تأمل وكثير عناء، فإنه من المعلوم لدينا جميعا أنه لو لم يعتقد الإنسان أن الله عز وجل هو الأول, وأنه سبحانه وتعالى واجب الوجود بذاته، أي أنه لا يحتاج إلى موجد، لم نعتقد هذا لأدى بنا إلى التسلسل، بمعنى: أن كل موجود لا بد أن يكون قد أوجده موجد قبله، وهكذا، ويفضي بنا إلى التسلسل في الماضي، وهذا أمر ممنوع عقلا، فلا بد إذن من موجود سبق هذا الوجود ولم يسبقه شيء، وذلك هو الله سبحانه وتعالى، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، كما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم.
قد مثل بعض العلماء بمثال قريب يقرب هذا المعنى فقال: لو رأيت الكتاب تحرك من الطاولة إلى الرف لصح أن تسأل ما الذي حركه؟ لأنه لا يقدر على ذلك، أما لو رأيت شخصا تحرك من مكانه إلى مكان آخر فلا يصح أن تسأل من الذي نقله من هذا المكان إلى المكان الآخر؛ لأنه يقدر على ذلك؛ فإذن ليست كل الأسئلة صحيحة، ومن النوع الذي لا يصح هذا السؤال: (من خلق الله؟) فإن الله سبحانه وتعالى موجود واجب الوجود، لا يقبل العدم، وإلا لأفضى ذلك إلى التسلسل في الماضي.
نحن نصيحتنا لك - أيها الحبيب - أن تصرف ذهنك عن التفكير فيما لا تقدر عليه، ولا تقدر على الجواب عنه من أنواع الشبهات، فإن ذلك أسلم لقلبك, وأدعى إلى أن تصرف وقتك فيما ينفعك ويعود عليك بعائدة الخير، فقل: (آمنت بالله) إذا عرضت لك الوساوس، وتفكر في الأدلة الدالة على وجود الخالق سبحانه وتعالى، الموجد لهذا الكون، وهي تخبرك – أي: هذه المخلوقات - عن خالقها وموجدها، وتخبرك عن علمه, وخبرته, وحكمته, وتمام قدرته.
هذا هو التفكر الذي ينفع ويفيد, وهو الذي ندبنا القرآن إليه، ودعانا إلى الاشتغال به، فتفكر في مخلوقات الله، وأول هذه المخلوقات نفسك، كما قال سبحانه وتعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك علما نافعا, وعملا صالحا, ويقينا صادقا.