السؤال
السلام عليكم..
أثق ثقة تامة أنكم الأفضل في طرح الحلول وتقديم الاستشارات - جزاكم الله خيرا -.
أنا فتاة عمري تسعة عشر عاما, لا أحب أن أظهر مشاعري نوعا ما, ومشكلتي مع صديقتي التي أعتبرها كأختي التي لم تلدها أمي، فعلى الرغم من أنني أحبها في الله لاحظت أنها تعاملني كحبيب أكثر من أنها تعاملني كأخت، وتعلقها بي يثير انتباهي, فمثلا عندما نتكلم عن الزواج تنفعل وتقول بأن زوجي - في المستقبل - سيأخذني منها, وبشكل شبه يومي تسألني إن كنت مخطوبة أو أنني سأتزوج قريبا وكأنه لا يوجد موضوع آخر, ودائما تغار إذا تحدثت مع صديقة أخرى, وإن كنا مجتمعتين مع صديقاتي لا تسمح لهن بالجلوس قربي أو التحدث معي, ودائما ما تهديني قصائد وأغاني حب وغزل تناسب العشاق, ولا أرد عليها بالمثل, وإنما بشيء معقول يناسب العلاقة الأخوية التي بيننا, وإن غبت لفترة تصاب بحالة من الجنون والعصبية, وتبدأ بالأسئلة والتحقيق, علما أنها يتيمة الأب منذ أن كان عمرها ست سنوات, وأتساءل إن كان عندها فراغ عاطفي أم أنه حب التملك, وأنا لا أريد أن أخسرها, ولا أريد أن نفترق, ولكني أريد منكم مساعدتي في هذه المشكلة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ماسيليا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك حكمة وتعقلا وإدراكا وبصيرة لحقائق الأمور، وأن يملأ قلبك رحمة لعباده، وأن يوفقك في دراستك، وأن يرزقك الاستقامة على دينه، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – يا بنيتي – فإنه يبدو منها فعلا أن هذا نوع من الفراغ العاطفي وحب التملك لدى هذه الصديقة، إذ أن هناك ما يعرف بالعشق، والعشق هو نوع من المحبة الزائدة المفرطة؛ ولذلك يستعمل في العلاقات الحميمة القوية جدا، علاقة قد تبدأ عادية، ولكن مع التواصل المستمر, ومع التقارب الدائم، ومع مراعاة المشاعر أيضا تقوى هذه العلاقة، وتتطور من مجرد معرفة عادية حتى تصل إلى درجة الحب، ثم بعد ذلك تصل إلى درجة العشق، ثم تصل بعد ذلك إلى درجة الهيام والوله، وهذه المرتبة - مرتبة الوله - هي مرتبة العبودية، بأن يكون العبد لله تبارك وتعالى كلية, ولا يملك في نفسه شيئا، وإنما يحقق العبودية المطلقة بكيانه كله كاملا، فلا يكون فيه شيء إلا لله، ولا يصدر منه تصرف إلا لله تبارك وتعالى وحده، كأنه يخرج من بشريته إلى درجة أعلى من ذلك.
فالعشق درجة أقل من ذلك، ولكنها - مع الأسف - قد تزاحم درجة محبة الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {والذين آمنوا أشد حبا لله} فلعلك بلغت عند هذه الزميلة أو الصديقة إلى الدرجة التي سيطرت على عواطفها كلها دون أن تشعري، ومما لا شك فيه أنه لا ذنب لك في هذا الأمر، فإن هذا أمر يخصها هي، إلا أنك تحتاجين – يا بنيتي، بارك الله فيك – إلى مساعدتها على الخروج من هذا الوضع المؤلم الذي تعيشه وتعانيه؛ لأنها الآن تشعر بك أنك مصدر الحياة، وأنك كل شيء، وأن الحياة بدونك لا يمكن أن تتصور، بل لا أستبعد أنه لو قدر الله وحدث لك مكروه أنها ستموت وراءك أيضا، كما حدث في بعض قصص التاريخ البشري! ولذلك أقول:
تحتاجين إلى أن تعامليها بشيء من الرفق حتى لا تصدم في مشاعرها، ولكن حاولي أن تخرجي من حياتها شيئا فشيئا بهدوء، بمعنى أن تقدمي غيرك – مثلا - معك في وجودها، وأن تحاولي أن تجعلي الكلام ثلاثيا، وأن تحاولي أن تربطيها – مثلا - بأخريات من زميلاتك، بنوع من الذكاء والفطنة، وليس معناه أنك تغلقين الباب في وجهها، وإنما معناه أن تحاولي أن تعطين مساحة لأطراف أخرى ليشغلوا الفراغ الذي بينك وبينها.
فإذن حاولي أثناء الجلسات وأنتن معا أن يكون معكما ثالثة، وأن تنادي – مثلا - على صديقة من صديقاتك لتتكلمن معا، وتعرفيها بالأخت، وتقدميها لها، وتقولي: (هذه صديقتي العزيزة المقربة، وهذه صديقتي فلانة) وأقصد بهذا الكلام الأخت نفسها صاحبة المشكلة، وحاولي أن تظهري لها أنك تحبينها فعلا، ولكن أوجدي أخرى معك حتى تبدأ وتربطيهما معا، وتقولي: (أنا أنصحك أن تتكلمي معها؛ لأنها إنسانة رائعة وإنسانة عظيمة)، وحاولي أن تشتتي تركيزها عنك أنت وتوزيعه على أكبر عدد من الأخوات، حتى يحدث عندها نوع من التوازن؛ لأنها الآن فقدت التوازن بالكلية، وأصبحت أنت بالنسبة لها كل شيء.
وهذا - كما ذكرت لك - هو العشق المحرم، الذي قد يصل إلى درجة الاشتهاء, وما زالت المسألة الآن مجرد مشاعر وأحاسيس، ولو زاد الأمر عن هذا فقد يتحول إلى تعلق جسدي أيضا، وهذا يحدث أيضا, وهو موجود ومنتشر مع الأسف الشديد في مرحلة كمرحلتكن العمرية التي أنتن فيها الآن، وأيضا في مستوى المرحلة الإعدادية والثانوية، وأيضا في بعض المراحل الجامعية، ففيها هذا التعلق العشقي الذي يعتبر نوعا من أنواع المرض, وليس سليما, وليست ظاهرة صحية؛ لأن الأصل في المرأة أنها لا توجه مشاعرها إلى امرأة مثلها؛ لأن هذا يؤدي بنا إلى ما يعرف بالمثلية، وهو اكتفاء الجنس بنفسه عن الجنس الآخر الذي به تقوم منظومة الحياة.
ولذلك - كما ذكرت لك – حاولي بالتدرج معها أن تخرجيها من هذا التوحد الذي هي فيه, إلى أن توزع المحبة على أكثر عدد من الأخوات، وأن تحاولي إشراك صديقات في صداقتها معك والتحدث إليها، والكلام معها، حتى تشغل عنك قليلا، ومن ثم ستبدأ حدة هذا التعلق تتدرج شيئا فشيئا، فهي أشبه ما تكون بالمريضة, فتحتاج منك إلى دعاء أيضا: (اللهم إني أسألك أن ترزق أختي هذه التوازن، وأن تصرف تعلقها بي إلى تعلقها بك أنت وحدك، وأن توفقها) وهكذا.
بهذه الطريقة - إن شاء الله تعالى – نستطيع أن نخرج - يا بنيتي - من المشكلة، وأن نقدم لها حلا مناسبا دون أن نجرح مشاعرها، ودون أن نصدمها، باعتبار أنها محرومة من العاطفة, خاصة أنها - كما ذكرت لك – يتيمة منذ أن كان عمرها ست سنوات، ولعلها فعلا شعرت بحرمان عاطفي قوي أدى إلى تعلقها بك، وخاصة أنها وجدت فيك الاستعداد، بمعنى الرحمة واللطف والحنان، فتوجهت إليك بكليتها ونسيت غيرك.
أنا أريدك أن تعيدي التوازن بأن تجعليها ترتبط بغيرك - ولو بنسبة - حتى يخف الضغط عليك، ومن ثم تعالجين هذا التعلق عندها دون أن تشعر هي بشيء من الحرج.
أسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يعينك على أداء مهمتك لأنها مهمة شاقة، كما أسأله تبارك وتعالى أن يوفق هذه الأخت للخروج من هذا المنعطف الخطير، وأن يجعلكن جميعا من الصالحات القانتات الموفقات في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.