أتجنب الكلام الكثير وأحب العزلة على اللقاء بأصدقائي فانصحوني

0 294

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 19 سنة، أقيم في أمريكا منذ فترة، أنا والحمد الله أصلي وأقرأ القرآن وأقوم الليل وأذكر الله كثيرا، وأشعر أنني قريب من الله تعالى، ولكنني عندما أختلط مع الناس وأتحدث معهم أشعر أنني قد تكلمت كثيرا، وأتذكر في نفسي ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كثرة الكلام تقسي القلب، وقسوة القلب تبعد عن الله)، وفعلا أشعر بعد التكلم معهم بفتور وضيق، فأضطر إلى الجلوس وحدي والعزلة عن الناس حتى عن أهلي.

في المدرسة يوجد هناك طلاب وطالبات أجانب يحاولون دائما التقرب مني والحديث معي، لكنني دائما أحاول أن أبتعد عنهم خوفا من الفتنة؛ لأنني أعلم أنني إذا اختلطت معهم كثيرا فسوف أميل إليهم ويفتر قلبي عن الصلاة والذكر، مع العلم أن حديثهم سيكون إما عن العلاقات المحرمة، أو عن كلام لا خير فيه، ونفس الحال مع الطلاب العرب.

الجميع يعرفني أنني طويل الصمت، وأنني طالب ذكي فلا يجرحونني بكلام؛ لأنهم يظنون أني عبقري، أنا الآن حيران لا أعرف ماذا أقول أو من أين أبدأ؟ أنا لا أستطيع أن أعبر عن نفسي باللغة العربية؛ لأن لغتي أصبحت ضعيفة حتى عندما أتحدث اللغة الأجنبية قد أضطر في بعض الأحيان إلى إعادة كلامي؛ لأن البعض لا يفهم عني.

في كل ليلة ألجأ إلى الله؛ لأنه الوحيد الذي يفهمني، فأبكي إليه وأشكو إليه حزني وهمي، لكن عندما أنتهي أشعر بالارتياح، وأدعو الله أن يقبض أو يعجل بقبض روحي إليه، أنا أشتاق إلى الله وأتمنى لقاءه، فأدعو بطلب الموت؛ لأنه (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)، وأنا أعتقد أن الله أحبني فابتلاني بهذا البلاء.

لكنني إذا استمررت على هذا الحال فلن أستطيع الزواج أو العيش أو البحث عن العمل؛ لأني إن لم أخالط الناس فحياتي ستصبح بلا فائدة.

عندما أشاهد مقاطع الفيديو الإسلامية عن الموت أو عن الآخرة أو عن الجنة يزداد صمتي وانعزالي؛ لأنني أشعر أن الكلام لا خير فيه، وأن الحياة لا فائدة منها.

في أحد الأيام حلمت برؤيا بأنني مت وقبضت روحي بسهولة، وعندما استيقظت كنت أرتجف من البرودة، فقضيت أشهرا أفكر في هذا الحلم، وفي نفس المكان الذي قبضت فيه.

أنا لا أستطيع مغادرة البلد لأسباب شتى، أرجو الرد علي أو مساعدتي بفتوى أو نصيحة، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يزيدك صلاحا وهدى وتقى واستقامة وتوفيقا، وأن يجعلك من أحب عباده إليه، ومن خاصة أوليائه، وأن يعينك على إيصال رسالة الإسلام إلى كل من يتعامل معك من خلال سلوكك الملتزم، ومن خلال دعوتك النظرية أيضا؛ لأن الناس في حاجة إلى أمثالك ليدلهم على الله، فنسأل الله أن يجعلك من الهداة المهديين.

وبخصوص ما ورد في رسالتك -ابني الكريم الفاضل– فإنه مما لا شك فيه أن الله تعالى قد أنعم عليك بنعم عظيمة، إذ حبب إليك الإيمان وحبب إليك الطاعة وحبب إليك قراءة القرآن وقيام الليل والذكر، وحبب إليك الأنس به والقرب معه، وجعل سلواك ونجواك في التوجه إليه سبحانه وتعالى، وجعلت شكواك وحزنك وهمك إليه جل جلاله، خاصة في الأوقات التي يتجلى سبحانه وتعالى على عباده.

ولكنك تحتاج مع هذا كله إلى بعض الأمور:

الأمر الأول: فيما يتعلق بطلب الموت، هذا الذي تفعله خلاف السنة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كان الوفاة خيرا لي) فإذا أنت تسأل الله تبارك وتعالى بهدي النبي -عليه الصلاة والسلام–؛ لأن كل عقيدة أو عبادة أو سلوك يخالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم– لا خير فيه.

فيما يتعلق بهذا الكلام –النقطة الثانية– مع أصدقائك وزملائك في الدراسة، فاجعل الكلام بمقدار ملح الطعام؛ لأن عدم كلامك أيضا سيثير حولك الشبهة، وقد يسيء الناس الظن بك، وأنك لست طبيعيا، وبذلك تفتح على نفسك باب شر أو فتنة، فتكلم الكلام المباح؛ لأن وجودك في هذه المجالس خاصة وأنت رجل تفهم الحلال من الحرام، قطعا إذا كنت تقف مع الشباب فإنهم سيغيرون كلامهم من أجلك، وبذلك أنت ستعينهم على ترك الحرام، ولك بذلك أجر، حتى وإن لم تتكلم معهم، ولكن لأنهم –كما ذكرت– يهابونك ويثقون بك ويحترمونك، ويحرصون على عدم جرح مشاعرك، فهذه فرصة بالنسبة لك أن تتواجد معهم حتى تحول بينهم وبين الحرام.

إن وجدت أنهم لا يرعوا ولا يتوقفوا ولا يتقوا الله تعالى، خاصة المسلمين منهم فلا تجلس معهم؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} فإذا نحن مطالبون بأنا نعرض عن الجاهلين، وكما قال الله تبارك وتعالى في صفات أهل الإيمان وأهل الولاية والصلاح والتقى، قال: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} وقال أيضا: {والذين هم عن اللغو معرضون} فاللغو هذا كلام فاسد، إما أن يكون -كما ذكرت– في المحرمات، أو يكون كلاما لا فائدة منه، والمسلم يترك هذا كله.

فأنت -كما ذكرت– إن وجدت فرصة للدعوة أو لإيقاف هؤلاء الناس فكن معهم، أما إن وجدت أنهم لا يهتمون بك ولا يأبهون بوجودك معهم، ويعصرون الكلام فلا تجلس ولا تشغل بالك بهم أبدا، وحاول أن تتفرغ فعلا لدينك ولربك ولمستواك العلمي، هم يقولون ويظنون أنك عبقري، لماذا لا تكون عبقريا حقا؟ حتى تثبت لهم أن المسلم قادر على أن يتميز على غيره، وقادر على أن يثبت وجوده مهما كان.

وبالنسبة للغة العربية: كم أتمنى أن تأخذ قرارا أنت وأهلك ألا تتكلموا في البيت إلا باللغة العربية؛ لأن اللغة تموت بعدم استعمالها، حتى اللغة الإنجليزية عند العرب تموت بعدم استعمالها، فالعربية التي هي لغة القرآن ولغة أهل الجنة إذا لم تكثر من استعمالها ماتت، وستضيع الحروف منك وتشعر أنك رجل أعجمي، وللأسف الشديد معظم العرب الذين يذهبون إلى بلاد المهجر -يهاجرون إلى تلك البلاد- أول مصيبة يصابون بها ترك لغة القرآن، وتحول أبنائهم من عرب إلى عجم، وحتى القرآن لا يفهمونه ولا يعقلون عن الله عز وجل مراده أو معنى.

لذا أقول لك -بارك الله فيك–: حاول أنك تتفق مع أسرتك ألا تتكلموا في البيت إلا باللغة العربية، حتى تعود العربية إليك وإلى إخوانك جميعا، وتكون هذه صدقة جارية في ميزان حسناتك.

اللغة الإنجليزية فعلا نجعلها كملح الطعام، يعني: تتعامل بها في الدراسة وفي أروقة الدراسة، ومع الطلاب والمدرسين والمدرسات، أما إذا كنت تتعامل مع العرب فحاول أن تجتهد ألا تتكلم إلا بالعربية، وهذا الكلام لا يضيرك، بل إن هؤلاء الناس يفرحون بأن الناس يحافظون على ثقافاتهم القديمة، وأنا أعرف ذلك جيدا، فعليك -بارك الله فيك– بذلك.

عليك بالاجتهاد في ترتيب وقتك وتنظيمه، وأن تحرص على أن تكون موزعا لأوقاتك ما بين طاعاتك لربك سبحانه وتعالى، وما بين متطلباتك الخاصة كإنسان، وما بين دراستك كإنسان متميز.

قضيةالتفكير في الموت: إذا كان يعطل رسالتك في الحياة فأعتقد أن هذا ليس حسنا بل قد يكون مذموما؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم– عاش عيشة كاملة، وكان يأكل وكان يشرب، وكان له أهل يأتيهم، وتعامل مع الناس تعاملا عاديا جدا، وكان هو أعظم الناس خشية لله تعالى، فكون الإنسان يخاف من الموت –الخوف الذي يعطله– أعتقد أن هذا أيضا ليس موافقا لهدي النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وإنما اجعل أمامك أملا أنك ستعيش خادما للدين، وتدعو الله تعالى أن يطيل عمرك على طاعته، وأن يمن عليك بتأسيس أسرة مسلمة تحمل راية الإسلام وتدافع عنه وتنافح، وتعرضه على أهل هذه البلاد، فذلك أفضل من أن تموت الآن وأنت لم تخلف وراءك ذرية صالحة تدعوا إلى الله تعالى.

أسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لطاعته ورضاه، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات