السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ مرحلة المراهقة كنت أعاني من خجل ورهاب اجتماعي يتراوح بين البسيط والمتوسط، وخلال هذه المرحلة، مررت بعدة مواقف اجتماعية سلبية أثرت علي بشدة، وأحد الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأمر هو أن أخي كان يتمتع بقبول وجرأة في الحديث وثقة بالنفس؛ ومهارات اجتماعية عالية؛ أصبحت هذه العوامل دافعا له للنجاح في تكوين علاقات اجتماعية قوية، بينما لدي بعض منها فقط، وبسبب شعوري بعدم القبول من الآخرين، فقدت أو اهتزت ثقتي بنفسي، وأصبحت علاقاتي الاجتماعية سطحية وعادية.
من المواقف التي سببت لي جرحا عميقا وما زلت أعاني منه حتى الآن: في إحدى المناسبات عند أبناء عمي، وأثناء ذهابنا، حدثت مشادة بيني وبين أخي حول أمر ما، وقال لي: "إن الأطفال يريدونني أنا".
وقعت هذه الجملة في نفسي وقعا مؤلما وأثرت علي، وبعد هذه الحادثة، صرت أركز على تعاملي وتعامل أخي في مقارنات مستمرة، ووجدت أن لديه قبولا وتعاملا مختلفا عني كثيرا، وأصبحت حياتي سلسلة من المقارنات حتى مع أصدقائي وكل شخص آخر.
أثناء مرحلة الجامعة، ذهبت إلى طبيب ووصف لي سيروكسات مع زاناكس نصف حبة يوميا لمدة تقارب 3 إلى 4 سنوات، ولم أكن أعرف أن هذا العلاج إدماني، لكني قطعته تدريجيا خلال فترة، وتحسنت حالتي بشكل شبه طبيعي.
استمررت على السيروكسات، لكن لم أجد نتيجة جيدة، تناولت بعد ذلك عدة علاجات أخرى، ولم أستفد منها استفادة ملحوظة، منها: (سيروكسات مع فافرين، وأبيليفاي، وسيبرالكس، وريميرون مع إيفكسور، وبريستيك، وفيكسال، وزولوفت).
مع الفيكسال شعرت بتحسن في الاكتئاب، ومع زولوفت شعرت بتحسن في الرهاب، أما أبيليفاي فقد استخدمته شهرا، وتوقفت عنه تدريجيا بسرعة بعد آخر علاج بالزولوفت خلال شهرين.
والآن أنا متوقف عن جميع الأدوية منذ شهرين، وخلال هذه الفترة كنت أتناول علاجات عشبية لكن لم أستفد منها.
الآن، الأعراض المهمة التي أعاني منها هي: تشتت وسرحان وشرود في الذهن، أشعر بأني ضائع وتائه، ونسيان وتردد شديد في أي شيء ولو كان أمرا بسيطا، وصعوبة في اتخاذ القرار، وعسر مزاج، وحزن، وفقدان أو اهتزاز الثقة بالنفس، وفقدان الاستمتاع بأي شيء، وقلق وتوتر وارتباك، وتلعثم في الكلام، وإحباط وطاقة سلبية، وضعف الذاكرة والتركيز، وعدم القدرة على تجميع الأفكار، وثقل في أعلى الرأس، وأشعر بأن دماغي فارغ جدا.
الأفكار سلبية وسوداوية حول هذه المشكلة والمواقف السلبية السابقة التي حدثت منذ سنة أو أشهر أو أيام، ودائما أفكر فيها كل يوم وكل لحظة دون إيجاد حل للمشكلة.
أشعر أن عمري كله ضاع وأنا في هذه الدائرة المغلقة التي سببت لي اكتئابا شديدا، دماغي لا يتوقف عن التفكير، ويكاد ينفجر من التفكير، وأصبحت ضائعا لا أعرف ماذا أفعل!
المشاعر والأحاسيس سيئة جدا: كره وحسد، وكره وغيرة، وشك وعدم ثقة في الناس، سلوك سلبي اكتئابي غريب وغير طبيعي.
آخر تشخيص من الطبيب هو أني أعاني من (شخصية تجنبية، ولدي رهاب وأعراض اكتئاب، واكتئاب غير نمطي)، ولدي أعراض بسيطة من الفصام البسيط، مثل: تدهور الجوانب الاجتماعية والوظيفية والحياتية بشكل عام، وفقدان الدافعية.
وأشعر بأن الناس تنظر وتراقبني في المسجد والمناسبات، لكن لا أشعر بأني رجل عظيم أو أن أحدا سوف يضع السم لي، أو أني مراقب من قبل الدولة، أو أني أرى أو أسمع أو أشم أشياء غير موجودة.
أشعر بأني مضطرب فكريا ومشاعريا وسلوكيا، وحالتي سيئة وصعبة جدا، ومتخوف من العودة للعلاجات الكيميائية بسبب الأعراض الجانبية والانسحابية. حياتي تدهورت جدا.
ليتك تضع تشخيصا لحالتي يا دكتور محمد، فضلا وليس أمرا، وشكرا لك على ما تقدمه، وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلطان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا أتفق مع الطبيب الذي قال لك أنك تعاني من بعض أعراض القلق الاكتئابي، وهذا الاكتئاب يتمثل ويتجسد في المشاعر السلبية، وما ينتابك من شعور بالحزن والكدر هنا وهناك، وكذلك ضعف الفعالية الاجتماعية لديك.
أما المخاوف الاجتماعية فتظهر لديك في شكل قلق، وهي ليست كثيرة حقيقة، وأعتقد أنها ثانوية جدا، وهي قائمة على تفكير سلبي جال بخاطرك منذ فترة طفولتك المبكرة.
العلاقة بينك وبين أخيك وموضوع المقارنات، وهذه الفكرة التي ترسخت لديك بأنك غير مقبول اجتماعيا؛ هذا قطعا نوع من الرفض النفسي، وقد بنى لديك شعورا كبيرا بعدم الفعالية الذاتية، وأعتقد أن هذا هو لب المشكلة.
العلاجات الدوائية متقاربة ومتشابهة، ولا أعتقد أن هنالك إشكالية في تناول أي من هذه الأدوية، لكن الإشكالية الأساسية تكمن في أنك لم تفعل السبل العلاجية الأخرى. السبل العلاجية الأخرى هي:
أولا: ما كنت تقبله عن ذاتك سابقا قد لا تقبله الآن، إن كنت فيما مضى غير فعال فأنت الآن فعال، وإن كنت لا تتفهم نفسك بصورة جيدة فيما مضى؛ فالآن تفهم نفسك بصورة إيجابية، وابحث في مصادر قوتك، وحاول أن تنميها وأن تطورها، واعلم أنك لست بأقل من أحد أبدا.
ثانيا: يجب أن تكون لك أهداف، هذه الأهداف يجب أن تكون في متناول اليد وواقعية، وحدد لها زمنا لإنجازها؛ دافعية الإنسان تتحسن من خلال الإنجازات وليس من خلال المشاعر السلبية أو الأفكار المحبطة.
ثالثا: ضع لنفسك برامج نسميها (برامج الأداء) أو (برامج الإنجاز)، وهذا يعني أن تحسن إدارة وقتك، وتضع برامج يومية، هذه البرامج يجب أن تشمل التواصل الاجتماعي، ويجب أن تشمل الصلاة مع الجماعة، وأن تكون منسجما في عملك، وأن ترفه عن نفسك بما هو طيب ومشروع، وأن تمارس الرياضة. هذه هي الحياة، والذي يضع نفسه في هذا الإطار من النمط الإيجابي يجد أن أموره قد تغيرت، أما الذي يستكين ويستسلم ويعتقد أنه مكتئب ولا فائدة فيه، فقطعا سوف يسير على هذا النمط.
الإنسان لديه القدرة الإيحائية على نفسه، أن تسقط فكرا معينا على نفسك، وهذا الفكر تصدقه نفسك، ويكون هو منهجك في الحياة. هذا لا يعني حين أقول لنفسي: (أنني ممتاز، وأنني قوي، وأنني فعال، وأنني سوف أفعل وأفعل) لا يعني أبدا أنني أخدع نفسي، أبدا، أنا أطور نفسي، وأنطلق بذاتي، والله تعالى حبانا بطاقات وطرق وآليات وخفايا كثيرة في داخل نفوسنا متى ما وجهناها التوجيه الإيجابي سوف نتغير ونتبدل إن شاء الله تعالى.
أيها الفاضل الكريم: أنصحك أيضا بالصحبة الإيجابية، الصحبة الجيدة، الإنسان يحتاج لمن يعينه على أمور الدين والدنيا، وأخذ النماذج الطيبة في الحياة دائما يحرك عجلة التفاؤل والإيجابية إلى الأمام، فكن على هذا النسق، واسع دائما لأن تكون نافعا لنفسك ولغيرك، وهكذا يهزم الاكتئاب.
بالنسبة للعلاجات الدوائية: أنا أرى أن عقار بروزاك فقط سوف يكون جيدا بالنسبة لك، بالرغم من أنه قديم نسبيا، لكن قطعا فعالية الأدوية الأخرى تقاس بفعاليته، وهو دواء نقي، دواء يجدد الطاقات الجسدية، ويجدد الطاقات النفسية، ويوجد فيه خير كثير إن شاء الله تعالى، فاصبر عليه.
تناول الـ (بروزاك - Prozac) بجرعة كبسولة واحدة (عشرون مليجراما) يوميا لمدة شهر، ثم اجعلها كبسولتين في اليوم لمدة أربعة أشهر، ثم كبسولة واحدة لمدة سنة –وهذه ليست مدة طويلة أبدا– بعد ذلك اجعلها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، وقطعا إذا واصلت مع طبيب نفسي فهذا أمر محمود وجيد.
يمكن أن تدعم البروزاك بعقار يعرف باسم (ريسبيريدون - Risperidone) تناوله بجرعة واحد مليجرام فقط، تناول هذه الجرعة البسيطة ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول هذا الدواء.
موضوع الرزبريادون أنا وصفته لك كداعم للبروزاك، وفي ذات الوقت إن شاء الله تعالى يقضي على بعض أفكارك الشكوكية.
أنت لا تعاني من الفصام، وليس لديك درجة بسيطة من الفصام، فالفصام هو الفصام، لا توجد به درجة بسيطة أو درجة شديدة، كله سيان، الذي لديك فيما يخص سوء التأويل والشك البسيط، أعتقد أن هذا ناتج من خوفك من الفشل، وكذلك تصورك السلبي عن نفسك، وأنك لا تملك كفاءات نفسية.
قطعا حين تكون فعالا وتتناول إن شاء الله الأدوية بالصورة التي ذكرتها لك، حياتك سوف تتبدل وتتغير، وتصبح أطيب مما تتصور.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.