السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب أبلغ من العمر 19 عاما، ومنذ فترة ليست بالطويلة بدأت تنتابني وساوس بالموت، أشعر بشيء يقول لي: ستموت الآن، وضربات قلبي تتسارع، وأحس بآلام في الصدر، وأحيانا في الجهة اليسرى، وأحيانا في الكتف، وجفاف والفم وعدم وجود شهية للأكل! وكأنني عندما أنام لن أستيقظ في اليوم التالي.
يمر اليوم علي فأكون فيه خائفا، وتمر حياتي كلها أمامي، حتى إنني أتخيل ما سوف يحدث بعد موتي ولمن أتركهم، وأتخيل حزن أمي وأبي وإخوتي علي، أصبحت قلقا طول الوقت، لدرجة أن جميع من حولي لاحظ علي هذا القلق، ولا أفكر في شيء غير الموت، وأصبحت بعيدا عن الواقع، لا أفكر في المستقبل ولا أهتم بالحاضر.
إذا لماذا أنا أتذكر الماضي؟ أهملت دراستي وحياتي، ولم أعد أهتم بشيء سوى التفكير في الموت، وهكذا إن ذكر أحد الأشخاص عندي تاريخا قادما يرسخ في الذهن أنه يوم مماتي.
هكذا تتوالى هذه الأوهام التي أتعبتني تعبا شديدا، لا أحس بطعم السعادة في حياتي، وكلما أضحك أو تمر علي لحظة سعادة أحس بأنها آخر ضحكة لي في هذه الدنيا.
أصبحت أفسر كل ما يحدث حولي على أنها دلالة على قرب موتي، وأصبحت كلما أستذكر شيئا من الماضي أقول في نفسي أنا أحتضر، كلما أقابل شخصا لم أقابله منذ فترة أو يتصل بي أحد من بلدي أظن أني سوف أموت، كل هذه الأشياء أفقدتني شكل الحياة الطبيعية التي يحياها الإنسان العادي، أحاول إقناع نفسي أن هذا من الشيطان، وأنه أوهام، ولكن يأبى هذا الاقتناع أن يفارقني فأظل في كرب شديد.
أنا مؤمن بقضاء الله وقدره، لكن أريد أن أزيل هذا الفكر من رأسي، وأتمنى منكم مساعدتي، وهل فعلا يحس الإنسان بقرب موته قبل40 يوما؟ وهل ما أحس به من آلام ممكن أن تكون عضوية أم هي لأسباب نفسية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عادل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هذه الفكرة القبيحة التي تهجم عليك واستحوذت وسيطرت على أفكارك تماما، والفكرة الجوهرية التي لديك هي الخوف من الموت، وحصل هنالك إثراء أو امتدادات لهذه الفكرة، بمعنى أنك أصبحت تفكر في تفاصيل الموت، وماذا بعد الموت، وما الذي سوف يحدث لإخوتك؟
هذا نوع من التسلسل الفكري الوسواسي، والفكرة أصلا نشأت عندك من خلال نوبة قلق حادة، بدأت بالخوف مع تسارع في ضربات القلب وألم بالصدر، وهذه النوبة الحادة من القلق نسميها بـ (نوبة فزع/هلع/هرع).
حالتك هذه تشخص عامة بأنها نوع من قلق المخاوف الوسواسية، والحالة هذه معروفة، وفي كثير من الأحيان تكون حالة عرضية وتنتهي، لكن بعض الناس قد تستمر عندهم، خاصة إذا أصبح الواحد في حيرة من أمره ولم يجد التفسير الصحيح لحالته.
إذا نحن هنا أوضحنا لك الحالة بأنها حالة نفسية، وليست حالة عقلية، وليست حالة ذهانية، وهي من الحالات المزعجة بالفعل لكنها بسيطة وبسيطة جدا، وكل ما ورد فيها قطعا هو قائم على المخاوف ولا أساس له أصلا.
تعامل مع هذا الأمر بأنه قلق نفسي، وتقول لنفسك: (لماذا أقلق؟ ما الذي يجعلني أقلق؟ لماذا أخاف بهذه الصورة؟ أنا أفضل من ذلك، أنا أقوى من ذلك، الموت حق وأنا أعرف ذلك، والخوف من الموت لا يزيد في عمر الإنسان لحظة ولا ينقص من عمره شيئا) ابن هذه الأفكار واجعلها تتملك كيانك ووجدانك وفكرك المعرفي.
النقطة العلاجية الثانية هي: ضرورة أن تتلقى علاجا دوائيا، هنالك أدوية ممتازة جدا تعالج مثل هذه الحالات، لذا أدعوك أن تذهب وتقابل الطبيب النفسي، أنت تحتاج لزيارة أو لزيارتين فقط ليس أكثر من ذلك، هنالك دواء يعرف باسم (سبرالكس) وهنالك دواء يعرف باسم (لسترال)، هي من الأدوية المتميزة جدا لعلاج مثل هذه الحالات.
أرجو أن تتوجه وتقابل الطبيب النفسي، وأنا متأكد أن أهلك لن يرفضوا مبدأ مقابلة الطبيب، لأننا قد أوضحنا لك الحالة، وقد أوضحنا لك السبل العلاجية السلوكية، وأوضحنا لك أهمية العلاج الدوائي لأنه يمثل ستين إلى سبعين بالمائة من عوامل الشفاء -إن شاء الله تعالى-، والأدوية سليمة جدا وفعالة جدا.
من المهم أيضا أن تملأ فراغك، وأن تعيش حياتك بصورة طبيعية، بل بفعالية، أكثر من التواصل الاجتماعي، وحقر هذه الأفكار، وقطعا عليك بالصلاة في وقتها، والدعاء، وتلاوة القرآن، وأن تستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم.
هذا كله -إن شاء الله تعالى- يفيدك ويصلح حالك، ومن جانبي أقول لك: -بارك الله فيك-، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.