تسلطت علي أفكار مؤلمة بصورة سلبية وأتعبتني فما تفسيرها؟

0 413

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة للدكتور الفاضل/ محمد عبدالعليم .. أسأل الله أن يريحك من هموم الدنيا والآخرة.

الحالة: عبارة عن أفكار متسلطة مؤلمة بصورة سلبية في الأشياء المهمة بالنسبة لي، مثل: الدين، والزواج، والتعليم، والجنس، وكذلك في كل أمر أهتم به وأرتاح إليه، فمثلا: أنا بطبيعتي -بحمد الله- إنسان يحب مساعدة الناس ويحزن لآلامهم، وسريع البكاء في المواقف الحزينة فيجعلني أتساءل لماذا أبكي وأتأثر، ويستمر في مضايقتي في محاولة أن يجعلني مثلا: أبتسم في موقف لا يحتمل الابتسام، أنا أقاوم هذه الأفكار ويؤلمني مجرد التفكير بها.

وهكذا في شتى المواضيع الهامة، حتى إذا قرأت في تلك المواضيع وعلمت الجواب الذي يريحني ارتحت نفسيا، ولكن سرعان ما يحاول أن يدخل لي من باب آخر، أنا أعرف أنها أفكار غير منطقية، ولكن أجد صعوبة في ردها فمثلا: لماذا الإسلام هو الحق؟ فأقرأ في مواضيع الإعجاز القرآني وأرتاح فترة، ولكن يظل يعاودني ككرة الاسكواش يبعد فترة ويعود مرة ثانية، وأظل أكرر الرد على الأفكار السخيفة غير المنطقية، وبمجرد الاسترسال مع الأفكار تظهر لي وساوس أخرى سخيفة، وهكذا.

أو يحاول أن يأتيني بصورة معاودة التأكد من قراءة الإجابات على الأسئلة التي تضايقني، برغم أني أحفظها عن ظهر قلب ولكن يظل يشككني، هل كان الكلام هكذا كما تظنه بالفعل؟ فأعاود قراءة الموضوع وهو نفس الإجابة التي في ذهني، ولكن هي أفكار تكون متسلطة، ويجبرني على الفعل الوسواسي لأرتاح، مثلا: معاودة القراءة، أو معاودة التفكير في الموضوع، أو محاولة كتابته والاحتفاظ به في ورقة عندي.

أنا -الحمد لله- أتمتع بكامل قدراتي العقلية، وأعرف جيدا أنه ابتلاء واختبار من الله، وعندما تعاملت مع هذه الأفكار على أنها وساوس قهرية سخيفة لا تمت للواقع بصلة فهي غير منطقية، وأخذت دواء فلوتين (فلوكستين) أراحني كثيرا، وأصبحت أكثر اندماجا في المجتمع، وأكثر سعادة؛ حتى أنني تغلبت بنسبة كبيرة على فكرة معاودة القراءة أو الكتابة في ورقة.

ولكن كما أقول لحضرتك: هو يدخل لي من مصدر الراحة، فشككني في نوع المرض، هل هو وسواس قهري أم فصام أم خوف اجتماعي أم اكتئاب؟ فأنا أسمع عن أمراض كثيرة لكي يوقفني عن مصدر السعادة، وهو المقاومة والتحقير والتجاهل لهذه الأفكار، ويجعلني أتساءل ماذا لو كان المرض فصاما مثلا؟ هل طريقة علاجه السلوكي هو المقاومة والتحقير كما تفعل أم أن لها طرق أخرى؟ وهل هذه الأفكار مرض عقلي أم مرض عصبي؟ أنا أعلم الإجابة مسبقا، ولكن هكذا الأفكار المتسلطة تفرض نفسها على تفكيري.

وآخر شيء: أنا بطبيعتي أحب المذاكرة بصمت وأتخيل كأن بيني وبين نفسي حوارا بداخلي لكي أستوعب المعلومة بشكل أفضل، فيجعلني أتساءل هل هذا يشبه الفصام؟ وكذلك أثناء المذاكرة يحاول أن يصرفني عنها بشتى الطرق، فمثلا: إنك لن تفهم هذه المعلومة؛ لأن ذكاءك محدود بالرغم أني عكس ذلك إطلاقا، أو يحاول أن يجبرني على تخيل صوت يزعجني في مخيلتي، كأنني مثلا: أستمع لصوت سيارة تضايقني بالطبع، أنا لا أسمع شيئا ولكن كلها أفكار تحاول أن تصرفني وتضايقني في كل شيء أسعد بعمله وأهتم به وأتميز فيه.

والله إني -يا دكتور- أخجل أن أتناقش مع حضرتك في هذا الكلام السخيف، ولكن هو ابتلاء من الله وأنا راضي وصابر عليه، وأنا إرادتي قوية للتغيير، فأنا إنسان -بحمد الله- طموح، وأنا الآن مرتاح جدا مع الفلوتين، ولكن أردت التفريغ النفسي لما بداخلي هذه باختصار حالتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

أتفق معك في كل كلمة أوردتها حول الوساوس القهرية، وكيف أنها تفرض ذاتها على الإنسان وتتحايل وتأتي من هنا ومن هناك، لكن في نهاية الأمر الآن نحن أمام صورة علمية واضحة جدا، وهي أن الوساوس يمكن تفكيكها وتفتيتها والقضاء عليها من خلال العلاج الدوائي -خاصة الوساوس الفكرية- ونقول: إن هذه نعمة عظيمة، في بعض الأحيان أنا حتى أتشكك في نظرية السيروتونين، ما علاقة السيروتونين بالوساوس؟ لكن حين أقرأ هنا وهناك أجد أن هنالك بعض الدعائم التي تدعم ذلك، وفي نهاية الأمر أصل إلى الخلاصة: أن هذه الأدوية هي نعمة من الله تعالى وليس أكثر من ذلك، وما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، هنا السر كامن في أن الله تعالى أراد لنا أن يعالج هذا الداء عن طريق الدواء مع -قطعا- العلاجات السلوكية الأخرى.

فيا أيها الفاضل الكريم: قناعاتك بالدواء يجب أن تكون قوية، والدراسات كلها تشير أن (الفلوتين) والذي هو (الفلوكستين) يفيد في الوساوس حين تكون الجرعة أربعين إلى ستين مليجراما في اليوم، وإذا بدا شيء من الوساوس يمكن أن تضاف جرعة صغيرة جدا من الرزبريادون –أي واحد مليجرام– يتم تناولها ليلا لمدة شهرين أو ثلاثة.

فيا أيها الفاضل الكريم: أنت تسير على الطريق الصحيح.

بالنسبة لتساؤلك حول نوعية هذا المرض هل هو وسواس؟ هل هو فصام؟ هذا أيضا من طبيعة الوسواس؛ لأن الوسواس يشكك في كل شيء، والذي أؤكده لك وبصفة قاطعة أن مريض الفصام لا يعرف أن لديه فصاما، ولا يشك في الفصام، حين الفصام يعتقد أن هذه هي الحياة الصحيحة، وحتى الكثير من أصحاب المدرسة التحليلية يرون أحد الأسباب التي تجعل مريض الفصام لا يواصل علاجه في بعض الأحيان أنه يريد أن يرجع لنفسه الحقيقية؛ لأنه يعتبر نفسه المرضية هي نفسه الحقيقية، أما حين يستعيد قواه العقلية ويجب أن يتحمل مسؤولياته، هنا لا يعتقد أن هذه هي نفسه الحقيقية، فنفسه الحقيقية التي يقبلها هي النفس المرضية.

فيا أخي الكريم: اطمئن تماما، هذه وساوس قهرية مباشرة جدا، وعليك أن تطبق عليها من عدم محاورتها، وعدم نقاشها، وإغلاق الباب عليها والاستمرار في علاجك.

ودائما نحن نقول أيضا: إن المتابعة مع الطبيب قد تكون مفيدة جدا في مثل حالتك، يعني: أنت حين تنتابك هذه التأويلات، ما الذي بي؟ هل هو وسواس؟ هل هو فصام؟ كيف وكيف وكيف؟ هنا قطعا سوف يحدث لك دعما كبيرا من طبيبك، حين تقابله (مثلا) مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، وأنا دائما حين أقابل مراضي –والحمد لله هم كثر جدا وأفاضل جدا– دائما نحاول أن نتطرق للمواضيع السلبية حتى نعالجها، وأنا حتى المريض الذي يقول لي (كل شيء تمام).

أتحفظ في بعض المرات والأحيان، لكن قطعا أشجعه و-نحمد الله- سويا على هذا التحسن، لكن بعد ذلك أعطي المريض الحرية التامة ليدلي بكل ما في وجدانه، وتجد أن مرضى الوسواس –على سبيل المثال– تكون هنالك تساؤلات لديهم، لكن من قبيل الحياء أو لعدم إعطاء أهمية تجدهم لا يتحدثون إلا إذا شجعتهم على ذلك.

فيا أيها الفاضل الكريم: أعتقد أن المتابعة مع الطبيب أيضا ستكون مفيدة جدا، ومن ناحيتي أنا مطمئن تماما أنك تسير في المسار الصحيح، وأنك -إن شاء الله تعالى- سوف تتغلب تماما على هذه الوساوس، وأؤكد لك أن الفلوتين دواء ممتاز، دواء سليم، ومن المهم جدا أن تصرف انتباهك عن الوسواس من خلال الفعالية في دروب وصنوف ومهام الحياة الأخرى.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات