السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من وسواس رهيب لا أستطيع تحمله.
بدأت قصتي مع الوسواس في آخر العام من الثانوية، وترتب عليه عدم دخولي الامتحان، وأعدت السنة، وكنت أعاني خلالها مثل ما أعانيه الآن، والحمد لله دخلت كلية طب الأسنان، وبعدها ظننت أن كل شيء سيختفي، ولكن زاد الأمر، وأصبحت أعاني خلال صلاتي، وكأن جسدي يتحرك فقط، ولكن بلا تركيز، حتى إني في بعض الأحيان أقول: ما فائدة صلاتي؟ وأقلع عن الصلاة يوما أو يومين، ثم أستغفر الله وأعود للصلاة.
أثناء مذاكرتي أجد أن رأسي وتفكيري ذهب لمليون شيء، ولا أستطيع التركيز، ويعقبه صداع بالرأس، وأكاد أطبق على رأسي من كثرة الانشغال والتفكير، والصداع، وأتعب كثيرا في المذاكرة، حتى إن ذاكرت بالكتابة يبقى فكري وعقلي مشغولا في شيء آخر، وهكذا في الصلاة وفي كل أمر، أحس أن دماغي لا يرتاح من كثرة التفكير.
وعندما أذهب إلى الفراش أيضا لا يأتيني النوم إلا بعد ساعة ونصف أو ساعتين، وأحاول أن أقلع عن التفكير، ولكن بلا جدوى، وأنشغل كثيرا بأمور أعتقد أنها ليست محلا للتفكير، فمثلا: أتذكر ما قلته لفلان، وما قاله، وهل أنا أغضبته مثلا..وهكذا، كما أني أعاني من ضعف في الثقة بالنفس؛ بسبب الوسواس الذي يضعف إدراكي.
ما العلاج المناسب لحالتي؟ علما أني أبلغ من العمر 22 عاما.
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا شك أن حالتك هي وساوس قهرية واضحة، والوساوس بطبيعتها القلقية تؤدي إلى كثير من التحفيز النفسي السلبي، مما يجعل الإنسان مكتئبا، ويعيش في حيرة من أمره حول أفكاره المحيرة والمستحوذة والملحة.
علاج الوساوس متوفر، هذا يجب أن نقتنع به، لكنا نواجه بعض المشكلات، وهي أنه قد أشيع وسط الكثير من الناس أن الوسواس كيف يعالج عن طريق الأدوية؟ هذا مرض من الشيطان، وشيء من هذا القبيل، والآن لدينا ثوابت قوية وعلمية جدا أن دور الشيطان في الوسواس لا ينكر، لكن ليست كل الوساوس، فالوساوس الموجودة الآن معظمها وساوس طبية متعلقة بكيمياء الدماغ، وحتى إن كان الشيطان هو الذي وراءها فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وبالطبع من الممكن أن يغير في كيمياء الدماغ، والشيطان يخنس حين يذكر الله تعالى، وهذا بنص القرآن، ولا أحد يستطيع أن يجادل ويحاجج في هذا، وحتى إن كان هنالك تدخل منه سوف يخنس، أو أنه قد خنس، لكن ربما يكون قد ترك أثرا نتج عنه هذا التغير الكيميائي.
هنالك أنواع كثيرة من الوساوس عامتها ذات طابع طبي، والوساوس لماذا دائما هي ذات طابع ديني أو جنسي؟ هذه هي طبيعة الوساوس، أنها دائما تكون حول أمور حساسة، والدين هو أعظم شيء عندنا، لذا تجد هذه المحتويات والتكوينات الفكرية دائرة حول الدين، وهذا الكلام الذي أقوله ليس بالجديد، ذكره أبو زيد البلخي قبل حوالي ألف عام تقريبا، ثم بعد ذلك أثبت العلماء فيما بعد ذلك الجوانب الطبية في الوساوس.
أنت بفضل الله تعالى طالب طب أسنان ومتفهم، وعليك التوجه مباشرة لمقابلة طبيب نفسي، والعلاج الدوائي سوف يكون ممتازا في حالتك، سوف يقهر هذه الوساوس، وسوف يحسن مزاجك وتعيش حياة طبيعية جدا، وبعد أن تبدأ في تناول الدواء بعد أسبوعين إلى ثلاثة سوف ترتاح نفسك، وهنا عليك بأن تكون حريصا على تحقير الوساوس ودفعها، وعدم مناقشتها، ولا تحاورها أبدا؛ لأن الحوار يزيد من تشعبها وتشابكها، وكل سؤال وسواسي يطرح على الإنسان له عدة أجوبة، وبعد الأجوبة تتولد أسئلة جديدة، لذا نحن ننصح دائما الأخوة والأخوات ألا يحاوروا وساوسهم، وألا يناقشوا وساوسهم، وأن يحقروا وساوسهم، وهذا الأمر -حقيقة- يحتاج لكثير من البحث، لكن من تجربتي الشخصية المتواضعة هذا هو الذي وجدته أنفع وأفضل وأنجح.
إذا: عليك بالعلاج الدوائي والمناهج السلوكية التي تحدثت عنها، وسوف تجد -إن شاء الله تعالى- أنك بخير وعلى خير.
من أفضل الأدوية التي تحاصر الوساوس القهرية عقار (بروزاك)، والذي يعرف علميا باسم (فلوكستين) والذي يسمى في مصر (فلوزاك)، وهناك عقار (فافرين)، ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين)، وهو دواء متميز، وهنالك (زيروكسات) والذي يعرف علميا باسم (باروكستين)، وهناك (زولفت) والذي يعرف أيضا تجاريا باسم (لسترال)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين)، والذي يسمى في مصر بـ(مودابكس) كلها أدوية فاعلة، لكن يجب أن يكون هنالك التزام تام بتناول الدواء، وللمدة المطلوبة، وبالطريقة التي يحددها الطبيب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.