أريد التعمق في الدراسة وأخشى من تأثير ذلك على الحالة الاجتماعية!

0 360

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب في بداية سنتي الثانية في الجامعة، متفوق دراسيا بفضل الله، كنت الثاني على الدولة في المرحلة الثانوية بفضل الله عز وجل، ودرجاتي ممتازة في سنتي الأولى في الجامعة.

مشكلتي أني لا أدرس كثيرا، أو لا أدرس بصورة منتظمة، فقط أدرس في وقت الامتحانات، وأفضل دائما الجلوس مع أصدقائي، والخروج من المنزل كثيرا وبصورة شبه يومية، أنا أعرف أن هذا قد يكون غير مفيد أو مضيع للوقت إذا زاد عن الحد الطبيعي، ولكني أستمتع بهذا، بالإضافة إلى أن هذا أصبح واقعا لا يمكن تغييره بسهولة، ولا يؤثر فعليا على درجاتي.

في الحقيقة أنا الآن أرغب في أن أتعمق في دراستي وأهتم بها أكثر، وأن أطلع على المزيد، ولا أكتفي بمنهج الجامعة فقط؛ لأني أعتقد أني أستطيع بإذن الله أن أكون نافعا للأمة الإسلامية إذا ما بذلت قصارى جهدي، وأعرت اهتماما أكبر.

ولكن هناك عدة مشاكل تأتي في ذهني حين أبدأ التفكير في الموضوع، من أهمها: أني أخاف أن يؤثر ذلك على حياتي الاجتماعية، فيراودني شعور بأني لو فعلت ما بوسعي وكرست جهدي كله في العلم، فإن ذلك ليس فقط سيسلب مني متعة الخروج مع أصدقائي، بل سيجعلني شخصا منطويا على نفسي، وضعيفا اجتماعيا، وسيصيبني الاكتئاب، وسأشعر بالوحدة، وأن هذا سيجعلني جادا في تعاملاتي مع الناس، وأنا أصلا شخص مرح.
هذه الفكرة مدعمة بالأمثلة، فأنا أرى أن كل من يدرسون كثيرا جدا معقدون نفسيا، وفي الغالب ليس لديهم أصدقاء.

فكرت في حل المشكلة، وأنه يجب علي أن أضحي بمتعتي وحياتي الاجتماعية، ومهما حدث فثمنه الوصول للقمة، ولكن هذا صعب التطبيق، فهذه الفكرة مترسخة في عقلي، وأنا لا أريد أن أخسر مصدرا للمتعة.

فكرت أيضا أنه من الممكن أن يكون هذا وهم، وأن هذه مجرد أفكار سلبية تمنعني من تحقيق هدفي، وأنه يمكن أن أهتم بدراستي من دون أن يؤثر ذلك على حياتي الاجتماعية، ولكني لا أرى ما يثبت هذا التصور.

لا أدري ماذا أفعل!؟ وأحيانا أقول لنفسي: لماذا هذا كله؟ فبإمكاني أن أكمل كما أنا، وأحصل على درجات ممتازة، وأعمل بوظيفة جيدة من دون أن أخسر شيئا.

آسف على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا، وعلى التواصل معنا.
وكم يسر الإنسان عندما يرى شبابا طموحا يتطلع للمعالي وإلى خدمة الأمة الإسلامية! وحكمتك وفطنتك واضحة من سؤالك، بالإضافة للذكاء -حفظك الله ويسر لك الفلاح-.

إن من المفاهيم الهامة في ثقافتنا الإسلامية هو مفهوم "الميزان" أي التوازن والاعتدال، فالتطرف في أي شيء ربما أضر من التوسط والاعتدال، فلا الدراسة والانقطاع الكامل عن الحياة الاجتماعية أمر ممدوح، ولا ترك الدراسة والانصراف إلى الأصدقاء والربع هو الحل، فكيف نوازن بين الجوانب المتعددة، والإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي، يألف الناس ويألفونه؟

من الواضح أنك إنسان اجتماعي ومرح كما تقول، فلا تخش من أن تتغير طبيعتك وشخصيتك لمجرد تفرغك أكثر للدراسة والقراءة، والفهم والتفكير، وخاصة إذا أبقيت لنفسك فسحة من التواصل الاجتماعي، ليس لوقت الطويل، وإنما حتى اللقاء القصير يمكن أن يلبي الحاجة المطلوبة.

في حياة كل إنسان فسحة من الوقت لإنجاز مشروع أو مشاريع مفيدة لنفسه وللآخرين، فما هو مشروعك؟ وما هو الهدف الذي تريد أن تحققه؟

نعم أنت متفوق، وتحصل العلامات الممتازة، فإذا أردت الاستمرار في هذا فلا بأس، وهذا خيارك، وإذا أردت ما هو أفضل من هذا فلابد من تغيير طريقة العمل.

يقول المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام

متذكرين طبعا أنه لا يوجد أحد يعرفك كما تعرف أنت نفسك، وما يناسب إنسانا قد لا يناسب آخر.

وأنا لا أنصحك بالتغيير المفاجئ، وإنما حاول صرف قليل من الوقت الزائد في مجال الدراسة والقراءة، وشيئا فشيئا تابع الأمر، فإن وجدت أن هذه كاف، وإلا فزد مزيدا من الوقت، وهكذا.

وانتبه أيضا لفرض الواقع، وأعطه حقه، ففي وقت الصلاة أفضل ما تقوم به هو الصلاة، وفي وقت الدراسة أفضل ما تقوم به هو الدراسة، ووقت عيادة المريض عيادة المريض، ووقت رعاية قريب مريض أفضل ما تقوم به هو رعاية هذا المريض..وهكذا.

وفقك الله، وجعلك ليس فقط من الناجحين، وإنما من المتفوقين، وكم تمنيت لو ذكرت لنا فرع الجامعة الذي تدرس فيه.

مواد ذات صلة

الاستشارات