لماذا يتسلط الرجل على المرأة، ولا يهتم إلا برغباته؟

0 553

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حقا هذا الموقع ملاذ لكثير من الناس ممن يعانون، وخاصة الفقراء منهم، والذين غالبا لا يملكون ثمن الكشف عند الطبيب، ولكل مظلوم، وكل وحيد لا يجد من يستمع إليه، جعله اللهم في ميزان حسناتكم يوم القيامة.

أنا فتاة عمري 19 ربيعا، لا أدري متى بدأت مشكلتي، ولكنني أشعر بخوف شديد، وضيق، واكتئاب، وأشعر بأن دقات قلبي تزداد، ويحمر وجهي، وأوشك على البكاء عندما يحدث أي شجار في البيت، وخاصة بين أبي وأمي، ولا أدري ماذا يعتريني حينذاك.

مشكلتي الثانية: هي أنني الآن في سن الزواج، ولكنني وعبر تجاربي العائلية التي أسمعها، كونت فكرة سيئة عن الرجال والزواج، وأشعر بأنهم لا يريدون من المرأة غير (الفراش)، مع إعطائها بعض الحريات البسيطة التي تصبح فيما بعد حجة عليها، ويرفعون صوتهم عليهن، ولكن بالمقابل يجب أن لا ترفع صوتها حتى ولو كان الحق معها، يفرغون غضبهم في نسائهم، وبعضهم من يختلق المشاكل من لا شيء، ولكنهن يصبرن، فهل المرأة خلقت لتكون غير محترمة، وأن تكون حياتها أقرب إلى الإهانة، وأن تكون رهن كلمة الطلاق؟

أنا أدرس في كلية الهندسة المعمارية، وأمتلك شخصية قوية، ولست مستعدة أبدا للزواج والقيود بعد كل ما رأيت، وتراودني أفكار جادة جدا بألا أتزوج، مع أنني جميلة، وأوضاعنا المالية ممتازة، وتقدم لي عدد لا بأس به من الشبان، وأتحجج بالدراسة، وأن أتخرج وأعمل وأعيش حياة كريمة من كدي وتعبي، مع العلم أنني متفوقة وطموحة جدا، وليس لأحد سلطة علي.

وكم تراودني أحلام يقظة بأنني بنيت صرح نجاحي بنفسي، وبأنني أكرم أمي، وأبذل عليها من المال والحاجات والخدم ما تريد.

فهل من الممكن للفتاة في هذا الزمان ألا تتزوج؟ وهل وجهة نظري صحيحة، وتنطبق على جميع الأزواج؟ وهل العلة في الحالات التي ذكرتها بسبب ضعف شخصية المرأة أم قسوة الرجل؟ وهل المشكلة برمتها متعلقة بالمرأة؟ أي أنه إن كانت شخصيتها قوية فستحد من هذا الظلم تجاهها؟ وما هو الطريق الصحيح؟

أنا مستاءة جدا من هذه الأفكار التي أصبحت مؤخرا تسبب لي الهم، كما أنني مستاءة من المجتمع وعاداته.

أفيدوني أفادكم الله.

وتقبلوا مني فائق الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ داندي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونهنئك على التفوق وعلى هذه الشخصية، ونحب أن نؤكد لك أن الرجال ليسو سواسية، وأن في الرجال أخيار، وأن التجارب السيئة التي سمعت عنها، أو مررت بها، أو المشاكل التي حصلت بين والديك ينبغي أن تحوليها إلى الجانب الإيجابي، فأنت تعرفين أن لكل فعل ردة فعل، فاجعلي ردة الفعل في الجانب الإيجابي، وتوكلي على الله تبارك وتعالى، واعلمي أن السعادة الكاملة لا تتحقق للمرأة إلا بزواجها من رجل يكرمها وتكرمه، يحبها وتحبه، في دستور هو المودة والرحمة، وفق ضوابط جاء به هذا الشرع الحنيف، فيها إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

ولذلك نحب أن نؤكد لك أن المرأة بزواجها تحقق أنوثتها وأمومتها، وأن المرأة لا يمكن أن تنال السعادة الكاملة وإن نالت أعلى الشهادات، وإن نالت أعلى المناصب، ولعل الدنيا سمعت دوي وصوت تلك المرأة التي قالت: خذوا شهاداتي كلها وأسمعوني كلمة أمي.

فلا تترددي في الخاطب صاحب الدين والخلق إذا جاء، ومن حقك أن تطالبي بحقك في الرضا به، لا بد أن يحصل توافق تام بين الطرفين، ولا بد أن تختاري صاحب الدين وصاحب الخلق، والإسلام ركز في الرجل على أمرين: (من ترضون دينه وخلقه)، رغم أن الأخلاق من الدين إلا أنه فصلها هنا، وكأنه على نظام المعادلات عندكم في الهندسة، سيقول: (من ترضون دينه وخلقه)، فإن المرأة لا تستفيد حتى من المتدين إن لم يكن عنده أخلاق، وإذا لم يكن عنده صبر، وإذا لم يكن عنده حسن تعامل، والمتدين ينبغي أن يتذكر – بل الرجال جميعا يتذكرون وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-: (استوصوا بالنساء خيرا)، وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، فنستطيع أن نقول: أنه لا خير في من لا خير فيه لأهله.

وأرجو أن تدركي أن المشاكل التي تحصل في البيت هي ملح الحياة، وليست القضية في أن لا تحصل مشاكل أو خلافات بين أي صديقين أو زوجين، ولكن المشكلة أن تأخذ المشكلات أكبر من حجمها، وألا يحصل التفاهم عليها، وألا يكون هناك بوادر خير، وبوادر مودة، وأيام مشرقة تنسي هذه الإشكالات.

ولذلك ينبغي أن تدركي أن هذه طبيعة الحياة، وربما تكون الوالدة هي المخطئة، وربما يكون الوالد هو المخطئ، ولكن نحن نرفض أن تحملي على الرجال بهذه الطريقة، وإذا وجد في الرجال أمثال هؤلاء، وفيهم من هو بهذه الطريقة بكل أسف، فهناك طوائف في الرجال أخيار، يكرمون الزوجات، وهناك رجال تظلمهم الزوجات وتؤذيهم.

فكوني أنت الناجحة، ولا تعممي التجارب السالبة دائما، وانظري إلى التجارب الإيجابية، وأنت -ولله الحمد- بهذا النضج، وبهذا الوعي تستطيعين -إن شاء الله تعالى- أن تحولي حياتك إلى سعادة وإلى هناء، خاصة إذا بدأتم هذه الحياة على طاعة الله، وعلى هدى من أنوار هذه الشريعة التي شرفنا الله -تبارك وتعالى- بها.

ونحب أن نؤكد أن التوتر الذي عندك له علاقة بالخصام الذي يحصل بين الوالدين، وفعلا هذا يؤثر على الأبناء، وتأثيره على البنات أكبر، ولكن ألا تلاحظين أنهم يعودون إلى بعضهم؟ ألا تلاحظين بعد هذا الشجار هناك لحظات حميمية يجلسوها مع بعضهم، فإذا لم تكن موجودة، فكوني أنت من يشجع على هذا، وأنت -ولله الحمد- في هذه السن مؤهلة لأن تقدمي نصيحة للوالد أو نصيحة للوالدة، والشريعة تدعوك إلى أن تكوني بارة بالأم وبارة بالأب، فإن هذا هو الأب وهذه هي الأم، ومهما حصل من الوالد، ومهما حصل من الوالدة فإن حقهم الإكرام، والتبجيل، والاحترام، وأداء الحقوق، فكوني دائما رسول خير، تنقلين الخير وتنميه، وتنشرين ما تسمعين من خير ومشاعر إيجابية بينهم.

ونتمنى لك كل التوفيق والنجاح في دراستك، ونحذرك من التفريط في الخطاب، خاصة إذا كانوا مناسبين، لأن الزمان يمشي، والقطار يفوت -كما يقال-، ولا ينفع الندم بعد ذلك، فلا تفرطي فرصة الزوج صاحب الخلق والدين الذي وجدت فيه الميل، ولاحظت أنه يميل إليك، لأن في ذلك دليل على أن الأرواح تتلاقى، فالأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وحاجة النساء إلى الرجال، وحاجة الرجال إلى النساء حاجة فطرية، ولا يمكن للإنسان أن يتوارى عنها، والإسلام نظم هذه الفطرة، لتكون نماء، وذرية، وأسرا، وخيرا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يفاخر بنا الأمم يوم القيامة، ولذلك قال: (تزوجوا الودود الولود)، فهذه وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والإنسان ينبغي ألا يتوقف في هذه المسألة، وحاولي أن تنشئي بيتك على السعادة، وعلى القواعد الصحيحة، ولن يحصل ذلك إلا إذا كانت الأمور في البيت فيها تعاون على البر والتقوى، وفيها صلاة، وفيها ذكر، وفيها تلاوة تخرج الشياطين من البيوت، وفيها تعاون على البر والتقوى، قال العظيم: {وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وندعوك إلى أن تكثري من الذكر، وأن تكثري من قول: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}، فإني سمعت الله بعقبها -في الآية التي بعدها- فيقول: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم}، وهي ليست لنبي الله يونس خاصة، ولذلك قال: {وكذلك ننج المؤمنين}، فالطمأنينة والراحة والسعادة في ذكر الله {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية، ونرحب بك في الموقع، ونؤكد لك أننا في خدمة أبنائنا والبنات، وشرف لنا أن نقوم بهذا العمل، ونسأل الله أن يصلح لنا ولكم الأحوال.

مواد ذات صلة

الاستشارات