السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد تواصلت مع هذا الموقع الممتاز أكثر من مرة، ولكن لم يكتب لي الشفاء حتى هذا الوقت، فأرجو أن يتسع صدركم لسماع مشكلتي مرة أخرى، عسى أن يجعل الله شفائي على أيديكم، وأرجو أن تأخذوا رسالتي بعين الاعتبار.
مشكلتي تبدأ منذ عدة سنوات، في يوم ما وأنا أجلس مع أصدقائي حكى لنا أحدهم قصة عن الجن، وفجأة شعرت بأنني مغيب تماما عن الواقع، شعرت أن الأشياء والناس تبدو غير حقيقية، أو بعيدة، أو اصطناعية، أو فاقدة للون أو الحياة، كأنني أصبحت شبحا، لا أحس بجسدي.
الآن أشعر بأن قدرتي على التركيز والاستيعاب قد نقصت، وأصبحت متقلب المزاج، وأشعر بإحباط رهيب، وأشعر كأن شيئا ما يحول بيني وبين نفسي، أقف أمام المرآة فلا أرى نفسي، أرى إنسانا آخر، أو أسمع صوتي، وأنا أتكلم أحس أن شخصا آخر يتكلم وليس أنا! مشاعري أيضا تغيرت، فأنا أعيش وأتحرك وأتعامل مع الناس بشكل آلي.
لا أعرف معاني الحياة من الموت أو الحياة، أو النجاح أو الفشل، ولا أحس بأي صفات بشرية من حب أو كره أو خوف أو راحة، أحس أن كل شيء حولي وهمي، وغير حقيقي كأني أراه في حلم، عندما أتكلم أو أناقش أو يسألني أحد، فإن معظم الكلام يخرج مني تلقائيا من غير تفكير، ويكون كله صحيحا لدرجة أني ممكن أن أمزح، أو أتكلم في مواضيع مهمة، وأناقش كأن مخي يرد لوحده من غير تفكير، أو تقييم للكلام، ولكن قدرتي على استجماع الأفكار والمجادلة والإقناع شبه معدومة، كما أنني عندما أقوم بأي عمل أقوم بالأمر أوتوماتيكيا، وتلقائيا.
علما بانني أشعر بنفسي، وأشعر أني إنسان شبه طبيعي في لحظات الخوف الشديد، وسرعان ما يختفي هذا الشعور، ولا يستمر إلا قليلا.
ذهبت إلى دكتور نفسي، ووصف لي دواء (ديبرام) استعملته لمدة شهر، وامتنعت عنه، فهل أبدأ مرة أخرى في استعماله؟ وهل هو مناسب لحالتي؟ وهل تنصحوني بدواء آخر؟
أنا أفكر بالزواج، هل أقدم على ذلك أم لا؟ خوفا من أن تسوء حالتي أكثر، وأن أظلم شريكة حياتي معي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على التواصل مع إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل، وقطعا مساهمات موقعنا (إسلام ويب) الهدف منها هي التسهيل على الناس وتنويرهم والتناصح معهم فيما يخص استفساراتهم، وحين يكون الأمر متعلقا بالنفس ربما تكون الحالة تتطلب أيضا أن يتواصل الإنسان مع طبيب نفسي تواصلا مباشرا.
هذا لا يعني أن ما يقدم من خلال هذه الاستشارات غير مفيد، لا هو مفيد تماما، والكثير من الإخوة الذين يصعب عليهم مقابلة الأطباء وجدوا مما يقدم الكثير من الخير والمنفعة.
أنا أقدر ما ذكرته في رسالتك، وقطعا أنت حدث لك ما نسميه بـ (الاختطاف الوجداني الشديد) حين سمعت قصة عن الجن، وهذا الاختطاف الوجداني جعلك تحس بتغير الأشياء من حولك، وبعد ذلك دخلت في مسلسل الأعراض الأخرى، وهذه الحالة أقرب تشخيص لها هو ما نسميه بـ (التغرب عن الذات) أو ما يسمى بـ (اضطراب الأنية) وهو نوع من القلق النفسي الذي يجعل الإنسان يحس كأنه بعيد أو متغرب عن ذاته أو منفصل عنها، وكذلك يشعر بعدم الطبيعية فيما يخص محيطة، وهذا قطعا يؤدي إلى نوع من الوسوسة وعسر المزاج.
الحالة علاجها ليس صعبا، لكن قطعا إذا تواصلت مع طبيب نفسي هذا سيكون أفضل، لأن الحوار والمناظرة العلاجية مطلوبة في هذه الحالات، لكن التواصل من جهة واحدة – بمعنى أنك تطرح علينا استفساراتك ونحن نطرح عليك بعض الأجوبة – هذا فيه فائدة، لكن قد لا تكون الفائدة فائدة كلية.
من أفضل وسائل التعامل مع هذه الحالات هي تفهم تطبيعتها، وأنها حالة قلقية، وأنها ليست أكثر من ذلك. هذا أولا.
ثانيا: تجاهل هذه المشاعر بقدر المستطاع.
ثالثا: لا تحكم على نفسك من خلال مشاعرك، إنما من خلال أفعالك، الإنسان يتأرجح بين مثلث أضلاعه الثلاثة تتكون من الأفكار والمشاعر والأفعال.
الإنسان قد ينقاد بفكره السلبي لتصبح مشاعره سلبية وتصبح إنجازاته ضعيفة جدا، لذا وجد علماء السلوك أن أفضل طريقة هي أن يعتمد الإنسان على الأفعال وعلى الإنجازات بغض النظر عن المشاعر أو الأفكار، والإنجازات تلقائيا حين يصل إليها الإنسان وينجزها سوف تغير من مشاعره لتجعلها إيجابية وكذلك أفكاره، وهذا قطعا سوف ينعكس إيجابا ويؤدي إلى المزيد من الإنجاز (وهكذا).
هذا المحور السلوكي أنا أعتبره هاما جدا في مثل حالتك.
رابعا: تمارين الاسترخاء نعتبرها مهمة جدا للمساهمة في علاج مثل هذه الحالات، وموقعنا لديه استشارة تحت رقم (21360156) أرجو أن ترجع إليها وتستفيد منها.
خامسا: هنالك أدوية مفيدة لعلاج هذه الحالات، ومن أفضل الأدوية العقار الذي يعرف باسم (زولفت) أو يسمى تجاريا (لسترال) ويسمى علميا باسم (سيرترالين) ويسمى تجاريا في مصر (مودابكس) هذا الدواء دواء جيد وفاعل لعلاج مثل هذه الحالات، بشرط أن يصطحب العلاج الدوائي بالتدابير السلوكية الأخرى التي تحدثنا عنها.
جرعة المودابكس هي أن تبدأ بحبة واحدة – أي خمسين مليجراما – تتناولها ليلا لمدة شهر، بعد ذلك تجعلها حبتين ليلا – أي مائة مليجرام – وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها إلى حبة واحدة ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعلها نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
هنالك دراسات أيضا تشير أن عقار (ألبرازولام Alprazolam) والذي يعرف علميا باسم (Zantac) يفيد في تخفيف وطأة الأعراض المتعلقة باضطراب الأنية، لكن يعاب عليه أنه دواء تعودي، لذا لا ينصح استعماله لمدة تزيد على أربعة أسابيع، ويجب أن يكون تحت إشراف ومراقبة طبية.
التفكير في الزواج هو أمر إيجابي جدا، ولا شيء يمنعك منه أبدا، الجانب التخوفي من أنك سوف تصدم شريكة حياتك أرى أنه نوع من القلق التوقعي وليس أكثر من ذلك، ليس له وجود في الواقع أبدا، وإن شاء الله تعالى تعيش حياة سعيدة ومفعمة بالخير والإنجازات.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.