السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
السادة القائمون على هذا الموقع المميز، أعلم تماما أن مشكلتي هذه ليس لها عندكم حل، ولكني ارتأيت أن أتحدث فيها كمن يحادث نفسه.
أنا خريجة بكالوريوس علوم عامة، عمري 30 عاما، أكملت تعليمي الجامعي وعندي ثلاثة أطفال دون مساعدة من أحد، صحيح أني لم أدخل التخصص الذي كنت أرغب فيه، ولم أحصل على تقدير جامعي جيد، ولكني شعرت أني أنجزت كثيرا بعد أن حصلت على الشهادة، فأولادي -والحمد لله- متفوقون دراسيا، ولم أعتمد على أحد ليساعدني في تربيتهم، وعلمتهم الاعتماد على أنفسهم مذ كانوا صغارا.
مشكلتي أني أبحث عن عمل منذ أن تخرجت، لو أن أحد الباحثين عن موظفين يعلم كم عانيت للحصول على تقدير (مقبول)؟ وماذا بعت كي أدفع تكاليف الدراسة؟ فقد بعت كل ما لدي حتى خاتم زواجي، وقطع أثاث من البيت، لو يعلمون كم سهرت ليلا كي أدرس؟ وكم مرة لم أتمكن من الحضور لتقديم الامتحان بسبب ظروفي الخاصة؟ وأني كنت أتعلم دون موافقة زوجي، مما كان يصعب علي الأمر أكثر، لو كانوا يعلمون لما طلبوا مني شهادات خبرة، ولما نظروا إلي بازدراء بعد رؤية تقديري الجامعي على الشهادة، كم أتمنى لو أسجل في تخصص أتمناه، ولكن زوجي يرفض تماما فكرة أن أدخل الجامعة مجددا، أو حتى أن أدرس دبلوما تربويا لأدعم فيه الشهادة التي معي، فتزداد فرصتي في الحصول على عمل.
ماذا أفعل وأنا بحاجة للعمل لتحسين وضعنا المادي السيء؟ ولكي أشعر أن عملي كان نتيجة للجهد الذي بذلته، والتضحيات التي قدمتها لأحصل على شهادة أعلم تماما أنها الآن لا تسمن ولا تغني من جوع؟ عندي موهبة كتابة قصص وروايات وشعر، ولكنها لا تنفعني أبدا في زمن الكلمات فيه لا ثمن لها، أيها السادة، أنا أبحث عن عمل يقيني وأطفالي العوز.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ malak حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنرحب بك بداية، ونشكر لك هذه الروح، وقد سعدنا بهذا التواصل، وفتحت لنا آفاق، وسعدنا بوجود مثل هذه النماذج، ونؤكد أنك لست فقيرة، فكيف تكونين فقيرة وأنت من ربيت أبناء يعتمدون بعد الله على أنفسهم، ليكونوا عصاميين، ولو لم يتعلم منك الأبناء إلا هذا الإصرار وهذا الاستمرار على الإصرار، وهذه الروح، وهذه العصامية، لكان ذلك كافيا، وأي عمل أعظم من هذا العمل الذي تقومين به في تربية أبنائك وحسن رعايتهم؟ ونسأل الله أن يوسع عليكم الرزق، وأن يعينكم على الخير.
وأرجو أن يسعد هذا الزوج بوجود امرأة عصامية تقوم بواجباتها في تعليم أبنائها، وأهم مهام المرأة وأكبر ما ينتفع به هو أن تنجح في تعليم أبنائها، وفي تربيتهم على هذه المعاني العالية ليكونوا عصاميين، ليكونوا ناجحين.
ونحن نعتقد أنك ناجحة - ولله الحمد - في حياتك، لأن الموظف الذي يعمل ليلا ونهارا هو الأم، خاصة إذا كانت تريد أن تربي على هذا النمط الذي تشيرين إليه، ومع ذلك فإننا ندعوك إلى أن تتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، وتكرري المحاولات، فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه التوفيق، وأرجو أن تكتبي باختصار قصتك والتضحيات التي قمت بها، إذا كان ذلك ممكنا، فإن الأعمال لا تحتاج إلى شهادات بقدر ما تحتاج إلى عصاميين وناجحين، وهذا من الخلل الذي عندنا أنا ننظر في شهادة من يتقدم، والشهادة قد يأخذها إنسان معاق اجتماعيا، ليس له أدوار اجتماعية، ليس له تواصل، ليس له مهارات في هذه الحياة، وليس له إلا هذه الأرقام المكتوبة، والتي ربما نالها بعد أن اعتزل عن الأب والأم والأهل والجميع ليحقق هذه النتيجة.
فنتمنى من الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك، ونحب أن نؤكد أنك ناجحة - إن شاء الله تعالى – في حياتك، ونعتقد أن المهمة الصعبة، وأن الأدوار الكبيرة قد انتهيت منها، وغدا سيصبح هؤلاء الأبناء - إن شاء الله تعالى – مصدر مساعدة لك.
ونتمنى أيضا أن يتفهم الزوج هذه المشاعر التي عندك، فيجتهد في رفع حصته، ويتخذ أعمالا إضافية، أو يساعدك على الحصول على وظيفة أو عمل، ولو كان ذلك في مدرسة، تقومين ببعض الأعمال في مساعدة المعلمات أو نحو ذلك، ونسأل الله أن يعينك على الخير، ولا تترددي في الكتابة إلينا، فإن مثل هذه الكتابات المميزة هي مصدر فخر لنا، وتعيد لنا معاني ظللنا نبحث عنها في أمهات تركن مهمتهن في التربية والتوجيه، وفي حسن الرعاية، وصدق من قال: (وراء كل عظيم امرأة) والعظمة تبدأ بأن يتربى الابن على أن يكون عصاميا معتمدا على نفسه، وهذا ما انتبهت إليه وغفل عنه الناس.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.