فضل الإسلام وحضارته على سائر الأديان والأمم

0 572

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد:

لدي بعض الأسئلة التي تحير الكثير من الشباب، منها:

من هم المطورون في العالم؟ وما دور علماء المسلمين؟ ومن هم الموجودون الآن وماذا فعلوا!؟ فكثير من المشككين في الدين يسأل ماذا قدم الدين للدنيا؟ وكيف طور الدين الدنيا؟ أعلم أن إجابتكم قد لا تكون وافية بالنسبة للمشكك؛ لذا أتمنى نصحي بقراءة كتب معينة بالإضافة لجوابكم.

والسؤال الآخر: أصلي من أين؟ وبأي أرض أفتخر؟ فعلى سبيل المثال إذا كان السائل من العراق، فيجيب أفتخر بالعراق، فيقال لكنها ليست أرضي هي أرض البابليين، وأصلي الحقيقي من جزيرة العرب، وهكذا فهل يفتخر بالجواز الذي يحمله أم بالوطن الذي يقدم له؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك ابننا الفاضل، ونشكر لك هذا السؤال، ونحب أن نؤكد لك أن الحضارة الغربية وحضارة الدنيا هي عالة على حضارة المسلمين، فإن العلوم التي تتكئ عليها حضارة اليوم كعلم الجبر وعلم الفيزياء والعلم التجريبي عموما هو ابتكار إسلامي خالص، والعلوم التي تقوم عليها وتتكئ عليها حضارة اليوم علماء المسلمين دفعوها قرونا عديدة، بل هم الذين جاءوا بالفتوحات التي تسببت في هذا التطور الحضاري الهائل؛ لأن العلم قبل مجيء المسلمين كان أساطير، لكن علماء المسلمين جاءوا بالتجارب فأخضعوا تلك التجارب - التي كان جزء منها أساطير – إلى الواقع والتجربة، فثبت ما ثبت نفعه، وبعد ذلك أزيحت الأساطير والخرافات عن طريق العلماء.

وهذه المسألة يعرفها الأعداء قبل الأصدقاء، وهناك كتب كثيرة تكلمت عن هذه، مثل (شمس العرب تشرق على الغرب)، أو نحو ذلك من الكتب التي تناولت هذه المسائل، وإلى اليوم هم يحتفظون بمؤلفات علماء المسلمين القدامى في مكتباتهم الكبيرة، في شتى المجالات.

بل لا بد أن تدرك أن الدولة الإسلامية في أيام عنفوانها كان النصارى يبعثون بأبنائهم ليتعلموا في بغداد، وفي دمشق، وفي القاهرة، وفي القيروان، وفي هذه العواصم الكبيرة، وكذلك في داخل الأندلس، فكان هناك ما يسمى بالغزو الثقافي الإسلامي للبلاد الأوروبية، وبلاد الدنيا كلها ...

قد كانت أوروبا ظلاما ضل سالكه *** وشمس أندلس بالعلم تهديه
كنا أساتذة الدنيا وقادتها *** والغرب يخضع إن قمنا نناجيه
واليوم تقنا لعز فر من يدنا *** فهل يعود لنا ماض نناجيه
في العلم والأخلاق مجدكم *** هذا البناء الذي يعلو ببانيه

ونحب أن نؤكد لشبابنا الكرام أن عجلة الحضارة تدور، وأن الحضارة الغربية اليوم تستقبل المهاجرين العظماء من ديار المسلمين، وهذا يثبت أن العقل البشري، وأن الكسب العلمي البشري هو كسب تراكمي، وأن المسلم يستطيع أن يبدأ الآن من حيث انتهى هؤلاء، بل هو أقدر الناس على العلم والفهم، وذلك لاعتبارات:

أولها: أن العقل المسلم عقل صاف، عقيدة تحرم عليه الخمور والمفترات والمخدرات، وهذه الأمور التي تؤثر على العقل.

ثانيها: أن الإسلام دين يقيم العلوم على البرهان، وهذا ما وصلت إليه الحضارة، على التجربة والبرهان.

ثالثها: أن إطار المعرفة محصور، فالغربيين الآن تضيع جهود كثيرة منهم الآن؛ لأنهم يبحثون في عالم الغيب، وهذا عالم محسوم بالنسبة لنا، فلو أن الحضارة الغربية وجهت جهودها إلى ما ينفع الإنسان لكان التطور أكبر من هذا.

رابعها: المنصفون من أهل الغرب – أرجو ألا تبحثوا عن علمائنا – اسألوا المنصفين من علماء الغرب وعن رأيهم في الحضارة الإسلامية، وماذا قدمت لهذه الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها.

أما الشباب المتشكك المتعطل المتبطل فهم سبب في تأخرنا؛ لأنهم تخلوا عن عقيدتهم، وتخلو عن عزيمتهم، وحتى عندما ذهبوا إلى الغرب جاءوا بأظافر طويلة وأجساد لامعة وشعور ووشم تشبهوا فيها بالآخر، هذا الذي قدموه لأمتهم، فنحن نريد أن نذكر بهذه المعاني.

ونحب أن نؤكد لك أن المسلم يفتخر بعقيدته، وهذه هي العقيدة الوحيدة التي يفتخر بها الإنسان، فالناس لآدم وآدم خلق من تراب، كما قال علي رضي الله عنه:

الناس من جهة الآباء أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من أصلهم شرف *** يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
فقم بعلم ولا تبغي به بدلا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء
ومقدار كل امرئ ما قد كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء

والإسلام جعل ميزان التفاضل الوحيد هو التقوى، هو العلم، هو أن يقدم لحضارته، {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، وأحسن الشاعر عندما قال:
كن ابن ما شئت واكتسب أدبا *** يغنيك محموده عن النسب

وحمار في الناس من رضي أن يقال له: كم أنت؟ بدلا من يقال له: من أنت؟ فالإنسان بقيمه، بإيمانه، بعقيدته، بثوابته، بانتمائه لهذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

وحق للمسلم - أيا كان البلد الذي ينتمي به – أن يفاخر بالعقيدة وبالعقيدة وحدها.

يا أخي في الهند أو في المغرب *** أنا منك، أنت مني، أنت بي
لا تسل عن عنصري عن نسبي *** إنه الإسلام أمي وأبي

وهذا الإعجاز والتميز صنعه الإسلام فالتف حول النبي – صلى الله عليه وسلم – أبو بكر القرشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وبلال الحبشي، لسان حالهم (أبي الإسلام لا أبا لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم).

والإنسان ينبغي أن يفاخر بكسبه؛ لأنه لا دخل له في أن يكون طويلا، أو قصيرا، أبيض أو أسود، هذا أمر إلهي، ولكن الناس يتمايزون بكسبهم وإمكاناتهم وأعمالهم، وما قدموه لهذه الحضارة، وإما أن يكون الإنسان مضيفا للحضارة شيئا وللدنيا شيئا، أو يكون هو إضافة على الدنيا وعالة على الدنيا كحال كثير من الشباب المتعطل المتبطل، والمعرفة العلمية ليس لها لغة، وليس لها وطن، هي لمن اجتهد.
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن ألق دلوك في الدلاء

ولا بد للإنسان أن يبذل:
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام.

وهذا ما نريده للشباب أن يشتغل به، بدلا من أن يتكلم عن الآخرين يسأل نفسه: ماذا قدم لأمته؟ وماذا قدم لبلده؟ وماذا قدم لنفسه؟

نسأل الله أن يبارك في الشباب، وأن يردهم للحق والدين ردا جميلا، وحضارة اليوم بحاجة إلى شباب الإسلام بأخلاقه، ليحافظ أولا على ما وصلت إليه البشرية، ثم يبني على هذه الحضارة، ويضيف النافع المفيد وفق ضوابط هذا الدين العظيم، فإننا خسرنا كثيرا بتأخرنا، وخسرت الدنيا بتأخر المسلمين.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والهداية.

مواد ذات صلة

الاستشارات