كيف أتعامل مع قسوة والداي؟

0 482

السؤال

السلام عليكم

أبي وأمي من النوع المتشدد، فمعاملتهما معي قاسية، فأمي دائما تصرخ علي، وتجرحني بالكلام، وأحيانا أغضب من تصرفاتها، بينما أبي يعاملنا كأنه رجل غريب عنا، ولا ينظر إلينا، ولا يجلس معنا، وكأننا لسنا بناته، ولا يرانا إلا قليلا، فهو يجلس في الغرفة الخارجية دائما، وإذا أراد شيئا فإنه يصرخ علينا، وإن طلبت شيئا يكون من حقي يهينني، لذا كرهت أن أطلب منه، فكيف أتعامل معهما؟

أريد أن أرتاح؛ لأنني منذ أن أصبح وحتى وقت النوم وأنا في معاناة من المشاكل.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ promises حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة -، ونشكر لك التواصل مع الموقع، ونقدر ما تعيشينه من معاناة، ولكننا نقول: إذا تذكر الإنسان لذة الثواب؛ فإنه ينسى ما يجد من الآلام، فلا تعطي الأمور أكبر من حجمها، واعلمي أنك مأجورة ومثابة - وهذا هو المهم – على صبرك على الوالدة، حاولي أن تتفهمي أسباب ضيق الوالدة، وأسباب ضجر الوالد، لعل السبب هو سبب خارجي؛ لأن وجود الأب في الخارج، ووجود الأم في الداخل، هذا التنافر الحاصل ينعكس على الأسرة غالبا، ومن حقك أن تبحثي عن أسباب أخرى، فإنه إذا عرف السبب بطل العجب، وسهل علينا بحول الله وفضله ومنته إصلاح الخلل والعطب.

وعلى كل حال فإن الإنسان لا يقابل إساءة الوالد بإساءة، ولا يقابل جفوة الوالد بجفوة، ولكن يؤدي ما عليه ويؤجر على نيته، والله تبارك وتعالى أمرنا أن نبر الوالدين، وبالإحسان إليهما، وبطاعتهما، والصبر عليهما، وبشر بمن يقوم بهذا الواجب وإن لم يجد ما يقابله أو يكافئ عليه، فإنه على ذلك يؤجر، وعند الله يعذر، وهذا ما فهمه أهل التفسير من قوله تعالى، بعد الحديث عن بر الوالدين، وخفض الجناح لهما، ورعايتهما خاصة في الكبر، والنهي عن مجرد القول (أف) لهما، بعد هذه الآيات العميقة العظيمة في تعظيم حق الوالدين، وفي ربطها بحق الله وعبادته، بعدها قال العظيم في كتابه: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}، قال العلماء: هذا فيه عزاء لمن أحسن لوالديه، لمن صبر، لمن قام بواجبه كاملا، لكنه قوبل بالجفوة، وقوبل بعدم الاعتراف له بأنه بار، أو غير ذلك من المعاني السالبة التي ربما تؤثر علينا نحن معشر الأبناء والبنات.

فإذا نحن ينبغي أن ندرك أن بر الوالدين، وأن الصبر عليهم، وأن الإحسان لهم عبادة، والإنسان يتعامل فيها ليس بردود الأفعال، ولكن يتعامل مع العظيم الذي يعلم السر وأخفى، الذي يعلم الأسرار ويعلم ما في الضمائر وما في الصدور سبحانه وتعالى.

فأبشري بالخير، واعلمي أن هذه الأمور ينبغي أن نتأقلم معها، ونتعايش معها، فلا تحاولي أن تقابلي إساءتهم بإساءة، أو جفوتهم بجفوة، أو تقصيرهم في حقك بتقصير في حقهما، والتمسي لهما الأعذار، وحاولي أن تقتربي من الوالدة، وتقربي إلى الله بخدمتها، وهنيئا لك ببابين مفتوحين يوصلان إلى جنة العظيم سبحانه وتعالى، فاغتنمي هذه الفرصة، فإن وجود آبائنا وأمهاتنا من أندر الفرص التي لا يعرف الناس قدرها إلا بعد فقدها.

فحافظي على ما أنت عليه من البر والوقار، ولا تعطي الأمور أكبر من حجمها، واعلمي أن إهانة الوالد وإهانة الوالدة لك مقبولة؛ لأنك منهم وهم منك، أنت جزء منهم، والإنسان لا يستطيع أن يسيء إلى جزئه، والإنسان لا يأخذ هذه الإساءة كأنها إساءة من إنسان غريب، كما قلنا نبحث ونلتمس لهم الأعذار، فربما كانت بينهما خصومات، أو عندهم مشكلات، أو عندهم أزمات نحن لا نطلع عليها، أو هذه انعكاسات على تصرفاتهم، وبعض الأسر تربت على هذا، ولا تعني هذه الشدة أنه لا يحب ابنته، ولكنه لا يعرف إظهار المشاعر، ولذلك مثل هذا الأب القاسي أو الأم لا تقبل فيك أن تمسي بطرفة عين، وستثور إذا تعرضت لأي إساءة أو انتقاص من أي إنسان، وهذا دليل على أن قلوبهم عامرة بالحب، لكنهم لا يستطيعوا أن يعبروا عما في نفوسهم، وفي كل الأحوال نحن الذين نتقرب إلى الله بحبهم وبرهم وبالإحسان إليهم، والوصية من الله كانت لنا معشر الأبناء بالآباء والأمهات.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونكرر شكرنا على هذا التواصل، وأرجو أن تأخذي الأمور ببساطة وبهدوء، فحاولي دائما ألا تضخمي هذه الأمور، وألا تطول عندك فترة الأحزان، فإذا زجرتك الوالدة صباحا؛ فينبغي أن تنسي هذا الزجر صباحا، وتعيشي بقية يومك سعيدة متحملة لهذا، وكذلك بالنسبة للوالد، ينبغي أن تلاطفيه، وتسألي عن صحته، وتقتربي منه؛ لأن الوالد حتى لو هدد، لما قال للخليل: {لأرجمنك واهجرني مليا}، قال الخليل: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا}ثم جاء يعامله بلطف وهو العابد للأوثان، فقال: {يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ...} فليكن لنا في أنبياء الله قدوة وأسوة.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات