السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي أن إخوتي خالين من مشاعر الإخوة، وقضيت حياتي كلها أصلهم ويقطعونني، توفيت والدتي ووالدي وعمري 6 سنوات، وتركوني وانشغلوا بزوجاتهم ولم يسألوا عني، وبقيت أتنقل من بيت لآخر بين بيوت أقربائي، وهم ﻻ يدرون شيئا عني، عندما أصبح عمري 15 سنة وافقوا على أول رجل طلب يدي وهو أكبر مني بعشرين عاما، وأجبروني على ترك دراستي مع أني كنت متفوقة.
رضيت بنصيبي وعشت مع زوجي بمرارة، وأنجبت منه أطفالا وأخلصت له، وراعيت الله به وبعلاقتنا، في الأيام الأخيرة أصيب زوجي بمرض عضال وتفرغت لرعايته، المشكلة أني بعت كل مجوهراتي وكل ما أملك من أجل العلاج، ولم يبق لدي فلس واحد، وإخوتي يتفرجون مع أنهم من أصحاب الملايين، ﻻ يتبرعون بأي مساعدة ويحاولون اﻻبتعاد خوفا أن أطلب منهم شيئا، وأنا عزيزة النفس ﻻ أستطيع أن أطلب من أي أحد، مروا بضوائق مادية وساعدتهم غير مرة وزوجي أيضا، عمري كله أساعدهم والآن المرة الوحيدة التي أحتاج فيها للمساعدة يتهربون، وﻻ يريدون حتى سماع صوتي لخوفهم أن أطلب منهم مالا أو مساعدة.
سؤالي المهم: أنا أخاف الله كثيرا وأراعيه في كل تصرفاتي، وأنوي الآن مقاطعتهم نهائيا وﻻ خير في إخوة وقت الشدائد يتخلون عنك، هل سيحاسبني الله على قطيعتهم ويعتبرها قطع رحم بعد كل ما عملوه بي؟
أرجوكم أجيبوني، بارك الله بكم وعليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الموقع، ونسجل إعجابنا بهذه التجربة وبهذا الصبر، ونسأل الله أن يديم عليك التوفيق والسداد، ونتمنى لمن هذه عزيمتها، وكانت عصامية في حياتها أن ترغب فيما يرضي الله تعالى، وتكون الأفضل والأحسن، فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للرجل الذي جاء يشكو من قرابته وقال: (إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي) يا له من ظلم، قابلوا وصاله بالقطيعة وإحسانه بالإساءة، حلمه وعفوه بالجهل والتطاول عليه، هل قال له صاحب الرسالة: عاملهم بالمثل، الصاع بالصاعين؟ لا واحشاه، ولكنه قال: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) بشره بمعية الله وتأييد الله إن هو صبر واستمر.
والأنبياء هم قدوتنا في الإحسان إلى الأرحام، ولا يوجد إنسان أذاه أرحامه كما حصل من إخوة يوسف ليوسف، ولكنهم مع ذلك لما تمكن، ولما جاؤوه خاضعين واعتذروا له قائلين: {تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} قال لهم في لطف الأنبياء وكرمهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} يعني لا لوم ولا عتاب ولا مؤاخذة ولا مسائلة.
وكذلك ما فعله رسولنا الذي اجتمع فيه ما تفرق في الأنبياء من الفضائل، عندما تمكن من رقاب القتلة المجرمين من كفار قريش، أرحام وأقرباء النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم بالصوت العالي: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ثم ردد مقولة يوسف -عليه السلام-: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.
واعلمي أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأن الذي يفعل خيرا إنما يفعله لنفسه، فحافظي على ما كنت عليه من الجمال، ولا تحملك إساءتهم على الإساءة، ولا تدفعك قطيعتهم للقطيعة، ولا يحملك تقصيرهم على التقصير، لأنك تتعاملين مع رب قدير، الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى.
نحن نريد لأمثالك ألا تفكر في مجرد القطيعة والإساءة لهم، ولكن نؤكد لك أن هذه الدنيا مدرسة، وأن في الحياة عبر وعظات، وأن الحياة دوارة، تدور بأهلها، وأن من يفعل الخير لا بد أن يجد الخير في الدنيا والآخرة، وأن الذي يقصر سيأتي عليه اليوم الذي يندم فيه، فحافظي على ما أنت عليه من الكمال والخير، وحافظي على صلة الرحم بقدر ما تستطيعين، اجعلي هذه الشعرة في العلاقة باقية، ولكن أيضا الإنسان يتعظ من دروس الحياة ويعتبر، ولكن المهم هو أن يبقى أصل الصلة، وألا تقصري وإن قصروا.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية، ونشكر لك هذا التواصل، ونسأل الله أن يقر عينك بشفاء هذا الزوج، وبعودة الأمور إلى نصابها وصوابها، وكل ذلك بيد الله تبارك وتعالى، وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
والله الموفق.