السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
شكرا لكل القائمين على هذا الموقع، وجعله الله في موازين حسناتكم..
أنا فتاة عمري 19 سنة، لدي خوف من الموت منذ شهرين ونصف، وأصابني معه حزن أو اكتئاب لا أعلم ما هو بالضبط، وأحس بأن فكرة الموت مسيطرة علي دائما في كل وقت وعمل وحتى أثناء الدراسة أو الصلاة، فجأة تهجم علي تلك الفكرة (أنت ستموتين)، مما جعلني ذلك قلقة، وأرى الموت أمامي، وكأنني في أي لحظة سأموت، فأصبحت لا أخرج من المنزل، وأتخيل شكل موتي، وخروج الروح، والقبر، والدود، وسؤال الملكين، والبعث والحساب، وكل هذه الأمور، فأخاف كثيرا، وأحس بأن تفكيري أصبح سلبيا جدا، وأربط كل الأحداث بالموت، فمثلا:
عندما يكلمني أحد، أو يزورني، أقول في نفسي: بأني سأموت، أو عندما أفكر بتفكير إيجابي وأود الخروج؛ تأتيني فكرة أنني فكرت بهذا لكي أخرج وأموت، وأتخيل شكل العزاء، وبكاء أهلي، وحزن أصدقائي، فما تفسير ذلك؟ مع أني ملتزمة جدا -ولله الحمد-، وفي السابق كنت عكس ذلك تماما، وأود أن أعود كما كنت.
فما هي نصيحتكم؟ وهل أحتاج إلى دواء؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نعم أنت لديك مخاوف من الموت، وطبيعة مخاوفك هي وسواسية، وهذا هو التفسير لما يحدث لك، أي أنه لديك مخاوف ذات طابع وسواسي، والوسواس هو الذي يجعلك تدخلين في بعض التأويلات والأفكار الافتراضية، وهكذا تسترسلين ويستمر هذا الشريط التخويفي، وهذه هي طبيعة الوساوس.
الحالة -إن شاء الله تعالى- بسيطة، وأنت مدركة لحقيقة الموت ولا شك في ذلك، وقطعا الخوف من الموت لا يزيد في عمر الإنسان ولا ينقص فيه لحظة واحدة، والمسلم دائما يعمل لما بعد الموت، نعم هنالك أهوال (خروج الروح، ضمة القبر، الديدان، وسؤال الملكين، البعث والحساب) كل هذا -إن شاء الله تعالى- يسهل تماما على المؤمن الصالح، ورحمة الله واسعة جدا، قال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما}.
الخوف الوسواسي المرضي يعالج أيضا من خلال التحقير، وطبعا الإنسان لا يحقر فكرة الموت، ولكن يحقر طريقة التفكير هذه، وهذا مهم وضروري جدا، مع الاقتناع التام بأن أمر الموت لا يمكن إدارته أبدا، ولا يمكننا أن نوقفه، ولا يمكننا أن نؤخره، لا يمكننا أن نقدمه، فلكل أجل كتاب، والشيء الوحيد الذي نستطيع إدارته هو حياتنا، وأن نعمل لما بعد الموت.
من خلال هذه المفاهيم، أعتقد أن حدة الخوف المرضي سوف تقل، ويبقى الخوف الطبيعي، والذي نعتبره أمرا محمودا.
اصرفي انتباهك عن الأفكار، وذلك من خلال أن لا تتركي مجالا للفراغ، وأن تشغلي نفسك بما يفيدك، وعليك بالصلاة في وقتها، والدعاء والذكر، وأن تكون لك صحبة طيبة، وأن تسعي لبر والديك، هذه مضادات عظيمة جدا للقلق والتوتر، وتبعث النفس على الطمأنينة والاسترخاء والصفاء الذهني.
بالنسبة للدواء: نعم أنت في حاجة للدواء، -والحمد لله تعالى- الآن لدينا أدوية ممتازة جدا وسليمة جدا، والدواء الذي نعتبره نافعا وناجعا لعلاج هذا النوع من المخاوف الوسواسية هو دواء يعرف تجاريا باسم: (سبرالكس)، واسمه العلمي (استالوبرام).
يا حبذا لو قمت بزيارة للطبيب النفسي ليدعم لك التشخيص الذي ذكرناه، وفي ذات الوقت يعطيك السند والاستبصار النفسي الذي سوف يفيدك، بجانب وصف الدواء.
فإذن الدواء الأمثل هو السبرالكس، وهنالك عقار آخر أيضا يعرف تجاريا باسم (زولفت)، واسمه العلمي (سيرترالين)، وهو أيضا من الأدوية الممتازة.
إذا لم تتمكني من الذهاب إلى الطبيب؛ فأعتقد أنه لا مانع من أن تتحصلي على السبرالكس بجرعة صغيرة – وهي عشرة مليجرام –، ابدئي في تناولها بنصف حبة – أي خمسة مليجرام – يوميا لمدة عشرة أيام، وبعد ذلك اجعليها حبة كاملة لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة عشرين يوما، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.
الجرعة الموصوفة لك هي في الحد الأدنى، -وإن شاء الله تعالى- ستكون مفيدة وجيدة، والدواء سليم كما ذكرت لك، ولا بد أن تدعمي العلاج الدوائي بالإجراءات السلوكية، لأن التدابير السلوكية تمنع الانتكاسات حتى بعد التوقف من الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.