أعاني من تدهور في الأداء وضعف ذاكرة وانعزال عن الناس

0 134

السؤال

السلام عليكم

دخلت مؤخرا متاهة مشكلات متعاقبة مع معارفي في الأسرة والعمل، اتضح لي منها استغلالهم لطيبتي في تحقيق مصالحهم، فخرجت باكتئاب أثر على أدائي في عملي، إذ أصبحت لا أحبه ولا أؤديه كما يجب كأنني لم أمارسه من قبل، حتى تعجب من معي من ذلك لأنني كنت متقنا له جدا، والمصيبة أنني لاحظت ضعفا واضحا في ذاكرتي وحفظي، فصرت أنسى معلومات هي معلومة عندي بالضرورة، لدرجة أنني أصبحت لا أتذكر اسمي أو اسم أقرب أقاربي أحيانا، وكلك معلومات بسيطة في مهنتي مما أخافني وآلمني جدا، ومن ثم تقطعت علاقاتي وانطويت على نفسي.

قابلت اختصاصيا سلوكيا بعد متابعتي مع طبيب نفسي كان يصف لي دواء البروزاك، لكن حالتي لم تتحسن كثيرا، وأرجع الطبيب السلوكي سبب حالتي لطفولة تألمت فيها، عنف أسري إذ كان أبي يعاملني بقسوة حتى وأنا في المرحلة الجامعية، يضربني وينعتني بكلمات بذيئة، حصلت لي عدة حالات تحرش في طفولتي ومرحلة الدراسة الثانوية، وطالبني الاختصاصي بأن أتقبل وضعي هكذا وأستمر، أو أن أغير بيئتي الاجتماعية والمهنية بالكامل بالسفر مثلا لدولة أو مدينة أخرى، فما استطعت على التقبل ولا على التحول!

يقال - والحمد لله - أني ملتزم بل ومؤثر، لكنني لا أجد ما يوقف حالة الحزن التي أعيشها مع نفسي حال انفرادي بعد يوم طويل من التمثيل بعكس ذلك، ومسألة الذاكرة أتعبتني جدا حتى أنها تهدد مواصلتي للعمل كما أخبرتني إدارة المؤسسة، أرجو إفادتي في كل النقاط التي ذكرتها، وما رأيكم باقتراحات المعالج السلوكي؟

ممتن جدا لجهودكم، وفقكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أبو وضاح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن يرفع عنك كل الكرب - أولا أخي الكريم -، ويزيل عنك الهم والغم، فهذا هو الذي يجب أن يكون شعارك وديدنك، وتكون قناعاتك قوية به، وتلح في السؤال والدعاء.

الأمر الثاني -أخي الكريم-: يجب أن تحاول أن تزيل الأسباب، موضوع المشكلات المتعاقبة مع المعارف ومع الأسرة، هذا يحدث - أيها الفاضل الكريم – والإنسان قطعا لا يحب الظلم، ومن الصعب جدا أن يتجرع الإنسان مرارات الظلم أيا كان مصدره، لكن نستطيع أن نقول أيضا أن الإنسان أفضل له أن يكون مظلوما ولا يكون ظالما، فكن – يا أخي – من الكاظمين الغيظ واعف عن هؤلاء جميعا، واجعل هذه خبيئة لك تتوسل بها إلى الله تعالى عند الحاجة، مثل الثلاثة الذي أووا إلى غار فانحدرت صخرة من أعلى الجبل فسدت عليهم الغار، فدعوا الله تعالى فانفرجت عنهم الصخرة.

هذه أمور مهمة في حياتنا، إذا ظللنا نحاسب الناس على كل صغيرة وكبيرة سوف نفقد التآلف والتواؤم، وسف ينعكس ذلك سلبا على حياتنا، وانظر إلى نعم الله العظيمة عليك، فأنت رجل مؤهل، وتعمل محاضرا، ولا بد أنه لديك إيجابيات كثيرة جدا، لكن ظلمة الاكتئاب وقسوته جعلك تنتهج المنهج التشاؤمي.

أنا أجد لك العذر، والذي دفعني على تشجيعك والإصرار على تذكيرك بالأمور الإيجابية هو قناعاتي التامة بأن هذا هو جوهر العلاج السلوكي، كل علماء النفس السلوكيين أجمعوا أن الأفكار السلبية والمشاعر السلبية هي التي تؤدي إلى تعكر المزاج، إذا علة المزاج ليست علة أولية، البداية ليست من المزاج، البداية من الأفكار والمشاعر السلبية، والإنسان الذي يصر على الأداء والأفعال الإيجابية قطعا سوف يحول مشاعره وأفكاره إلى إيجابية أيضا.

ما ذكر لك حول الترسبات التربوية السلبية السابقة، أنا لا أستطيع أن أنكر دور التنشئة والتربية، لكن لا أعطيه الوزن الذي أعطته له المدرسة التحليلية، كم من الناس عاشوا في قسوة وشدة في الحياة ونجحوا كثيرا، وكم من الناس عاشوا مدللين وهنيئين وفشلوا في الحياة.

تعامل مع الأمور على أن الذي حدث لك هو خبرة - أخي الكريم -، نعم أعرف أن التحرشات سيئة، أيا كان نوعها، تحرشات جنسية أو نوع من التنمر أو سمها ما تسمي، هذا قطعا لا نحبذه ولا نفضله ولا نقره، لكن الذي يهمني أنك بالرغم من كل هذه القساوات قد نجحت في حياتك، فيجب أن تعيش حياتك بأمل وبقوة وبإصرار وتكون متفائلا نحو المستقبل.

العلاج الدوائي قطعا مفيد وجيد، والفلوكستين من الأدوية الممتازة جدا، وأنا أعتقد أن الناحية البيولوجية موجودة في حالتك، وجرعة الفلوكستين أعتقد أنها يجب أن تكون أربعين مليجراما على الأقل في اليوم – أي كبسولتين – وتظل على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر على الأقل، بعد ذلك يمكن أن تخفض الجرعة.

تغيير نمط الحياة مهم جدا، ممارسة الرياضة، التواصل الاجتماعي، - والحمد لله - أهل السودان يتميزون بهذا، ويجب أن تكون متفائلا وترسم لنفسك خارطة إيجابية في حياتك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات