السؤال
السلام عليكم...
رأيت بعد مرور ما يقارب الشهرين على وفاة والدة صديقتي، أن صديقتي أصبحت عدوانية مع جميع الناس، حيث تشعر أن الجميع يكرهها ويكره أهلها، وأن الجميع خذلها، تردد دائما أنها تود لو تأخذ أهلي ونعيش حتى لو في كوخ بعيدا عن أقاويل البشر ووجعهم، أصبحت حساسه جدا، تجرحها أي كلمة، تردد لا أريد أحدا إلا أهلي وأنت -تقصدني-، وعندما تتكلم عن مرض أمها وألمها، وأردد عليها كلامات الصابرين، تغضب مني، وتقول أنا لست جزعة وإنما أتكلم عن مشاعر بداخلي كي أرتاح، وعندما أسمعها بصمت تغضب أيضا، وتقول لي أنت أصبحت لا تشعرين بي، وتملين من حديثي.
احترت كثيرا كيف أتعامل معها؟
وقد توفقت -والحمد لله- أن أمسكت بيدها توجهنا للتعرف على الله عن طريق أسمائه الحسنى، وبدأنا بحفظ القرآن، ونسمع الكثير من المحاضرات، ولكن لا أعرف كيف أنصحها عندما تصب جام غضبها على الناس، أو عندما تخبرني بأحاديث قلبها وحزنها، ما هي الطريقة المثلى في التعامل معها؟ وخاصة أنها شخصية حساسة جدا من قبل وفاة والدتها والآن تضاعفت حساسيتها، وأصبح لديها نقص حديد، وتشعر بالهبوط دائما مع ضعف في الساقين.
إن تقلب مزاجيتها بدأ يؤثر على نفسيتي كثيرا، فكيف أكون بجانبها بطريقة صحيحة تعالج نفسيتها؟ ففقد الأم يهز أركان القلب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلوى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على الاهتمام بأمر صديقتك هذه، وأسأل الله -تعالى- لوالدتها المغفرة والرحمة.
صديقتك هذه –حفظكما الله– تعاني من تفاعل إسقاطي، أي أنها قد أسقطت أحزانها بصورة عدوانية على الآخرين، وهذا دليل على عمق الأحزان وعدم التكيف مع الذات للتعبير عن الأحزان بالصورة المعهودة، هذه الظواهر نشاهدها في الطب النفسي، وهي موجودة، ونعتبرها ظواهر محصورة وتنتهي تلقائيا، لكن قطعا قد تكون مزعجة بعض الشيء.
صديقتك هذه بالفعل تحتاج منك للمساندة، وتحتاج منك للتبصير، والتبصير أيضا يكون من خلال المساندة، أن تجالسيها، أن تطمئنيها، أن تجعليها تعبر عن نفسها، ودعيها تتحدث عن المرحومة - بإذن الله تعالى – والدتها، وتتحدث عن مآثرها، وانصحيها بأن تبر صديقات والدتها، هذا يجعلها تبتعد عن الكتمان، لأن الكتمان في أمور التعبير عن الأحزان من الأشياء الخطيرة جدا، النفس تحتقن كما تحتقن الأنف، واحتقان النفس حين يكون قائما على الأحزان قد يؤدي إلى شعور بالكدر والحزن والشعور المأساوي، هذه الفتاة –حفظها الله– قطعا تعبر عن أحزانها بهذه الصورة غير المثالية أو المعوجة، وهذه الحالات موجودة.
بعض علماء النفس والسلوك يعتبرون مثل هذه السلوكيات من موازيات الاكتئاب، أي أنه نوع من الاكتئاب النفسي، الذي يعبر عنه بصورة غير طبيعية وغير مثالية، وبناء على هذه النظرية وحتى نكون قد أكملنا الصورة العلاجية، أعتقد أن صديقتك هذه لو تناولت أحد مضادات الاكتئاب لفترة قريبة وقصيرة ولمدة محدودة، سيكون هذا أمرا جيدا ومفيدا، إن قبلت أن تذهب معك لطبيب نفسي، فهذا هو الأفضل والأحسن، وإن لم تقبل أعتقد أن عقار مثل (سبرالكس) هذا اسمه التجاري، ويعرف علميا باسم (استالوبرام)، لو تناولته بجرعة خمسة مليجرام – أي نصف حبة – ليلا لمدة أسبوع، ثم حبة كاملة ليلا لمدة شهرين، ثم نصف حبة ليلا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين أيضا، ثم تتوقف عن تناول الدواء، هذا سيكون كافيا جدا.
حاولي أن تصرفي انتباهها من خلال مؤازرتها – كما ذكرت لك – ويا حبذا لو انخرطت معها في أي نوع من البرامج الجماعية، مثلا تذهبا مع بعضكما البعض إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن، هذا يساعدها كثيرا في تغيير نمط حياتها، ويشجعها على أن تعامل الناس بالحسنى، وأن تحسن الظن فيهم.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.