السؤال
السلام عليكم ورحمة الله...
أنا فتاة عمري 20 سنة، طالبة.
مشكلتي بدأت منذ سنتين تقريبا، حيث أشعر أن لا وجود لي بالحياة، وأن أصدقائي يكرهونني، ودائما يراودني شعور بأنني إنسانة كبيرة بالعمر، ولا تجوز لي بعض التصرفات كاللعب والضحك، وأصبحت الآن أفكر في عمري الذي مضى، ودائمة الندم عليه، وأنني لم أنجز فيه شيئا، أصبحت وحيدة بين الطالبات، لا أتكلم مع أحد، ولا أخالط أحدا، حتى مع عائلتي أصبحت أختصر الكلام لأبعد الحدود.
دائما أنسى أين وضعت ما بيدي من الأشياء، مثلا، إذا أقفلت باب البيت ثم ذهبت إلى النوم، ينتابني شعور بأنني لم أقفله، وأذهب لأتأكد مرة أخرى، وهكذا الحال، وأشعر كذلك أن أبي يفرق بيني وبين أخوتي، لذلك أصبحت أكره أخوتي الذين أصغر مني سنا ، ودائما أضربهم.
سؤالي: بماذا تنصحونني؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حليمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الذي تعانين منه هو مشاعر سلبية وأفكار وسواسية، فلديك وسوسة واضحة جدا تظهر في شكل تردد، وعدم استقرار نفسي، وهذه المراحل النفسية قد تكون طبيعية جدا في حياة بعض الناس، وغالبا ما تكون تطورات مؤقتة وعابرة، لكن حتى لا تتعقد الأمور وكي لا تتطور إلى ما هو أسوأ لا بد أن تحللي هذا الوضع الذي تعيشين فيه الآن، أقصد أن تحللي مشاعرك هذه، وسوف تصلين -إن شاء الله تعالى- إلى قناعة أن هذه المشاعر مشاعر سلبية سخيفة، يجب ألا تفرض نفسها عليك أبدا.
وتأويلاتك أنك مكروهة من قبل أصدقائك وأنه لا يجوز لك بعض التصرفات كاللعب والضحك، هذه الأخيرة من الوساوس، أما شعورك بأن أصدقائك يكرهونك، فهذا دليل على عدم الرضا عن النفس، فهذه التأويلات السالبة يجب أن تستبدليها بأفكار مخالفة لها تماما، أنت -إن شاء الله تعالى- محبوبة وسط صديقاتك، أنت محترمة، أنت طيبة، أنت فتاة الإسلام، لا بد أن تبني فكرا جديدا، والإنسان يجب ألا يحكم على نفسه من خلال مشاعره السلبية أبدا، لأن المشاعر السلبية تؤدي إلى أفكار سلبية، وهذه تقلل من فعالية الإنسان وإنتاجيته والتزاماته نحو نفسه.
إذا نقول: مهما كانت المكابدة، مهما كانت المشاعر، مهما كان الضنك يجب على الإنسان أن يكون قويا وشجاعا ومثابرا، وأنت في هذه المرحلة تحتاجين إلى أن تكوني صارمة مع نفسك لتكملي تحصيلك الأكاديمي، وتكوني من المتميزين.
فإذن التغيير الفكري هو المطلوب في حالتك، وهذا ليس بالصعب أبدا، كوني عضوا فعالا في أسرتك، خذي المبادرات، كوني دائما مع الصالحات من الفتيات، طوري مهاراتك، احرصي كثيرا على أمور دينك، وأنا أرى أيضا أنك إذا ذهبت إلى الطبيب النفسي هذا سيكون أمرا جيدا؛ لأنك بالفعل محتاجة لأحد الأدوية البسيطة المضادة للوساوس، وكذلك القلق، والتي أرى بالفعل أنها -إن شاء الله تعالى- سوف تغير من مزاجك الاكتئابي الوسواسي، وتجعله مزاجا فرحا ومنشرحا دون تردد أو وساوس.
من أفضل الأدوية التي تفيد في حالتك عقار (بروزاك) والذي يعرف علميا باسم (فلوكستين) أو عقار (فافرين) والذي يعرف علميا باسم (فلوفكسمين)، وكلها أدوية سليمة، وكلها أدوية فاعلة -إن شاء الله تعالى- .
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
-----------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
----------------------------------------------------------------------------
بداية نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونؤكد لك أنك مقبولة محبوبة بين أهلك وبين الناس، فلا تجعلي بينك وبين الناس هذه الحواجز الوهمية، وتعوذي بالله من شيطان همه أن يجلب الأحزان لأهل الإيمان، ولكن ليس بضارهم شيئا إلا بما يقدره مالك الأكوان، واعلمي أنك مطالبة أولا بإصلاح ما بينك وبين الله -تبارك وتعالى-، وسوف يصلح الله لك ما بينك وبين الناس.
واعلمي أن الناس لا يمكن أن يكرهوا الإنسان، ولا يمكن أن يبتعدوا عنه إلا لأسباب، ولا أظن أن هناك سبب، فلست ممن يشتم، ولست ممن يؤذي، ولست ممن يحتقر، ولست ممن يغتاب، ولست ممن يسيء للزميلات، فلا تتصوري أنهم بهذه الطريقة، ولا تنظري للحياة بهذه النظارة السوداء، واعلمي أن الإنسان سيجد في هذه الحياة من يسعده ويسعد بهم، فحاولي أن تدخلي وتخالطي الأخريات، والمؤمنة التي تصبر وتخالط أخواتها خير من التي لا تصبر ولا تخالط، والإنسان مدني بطبعه، لذلك هو لا يستغني عن الناس، والناس لا يستغنون عنه كذلك.
فاعمدي إلى كتاب الله فاتخذيه جليسا، وواظبي على ذكر الله -تبارك وتعالى-، واضحكي ملء فيك، لأن الإنسان إذا ضحك ضحكت الدنيا معه، أما إذا أراد أن يحزن فإنه سيحزن وحده، فلا تقفي طويلا أمام المواقف السالبة، وحاولي دائما الاقتراب من والديك، والاجتهاد في برهم والإحسان إليهم، وإظهار الحفاوة بهم، واعلمي أن الناس سيقابلونك بالمثل، وإذا ابتسمت لهم ابتسموا لك، إذا عاملتيهم بلطف كانوا ألطف وعاملوك بالمثل، فالإنسان هو الذي يحدد علاقته بالناس وعلاقة الناس به.
ولذلك نتمنى أن تنتبهي لهذه الجوانب، وتعوذي بالله -تبارك وتعالى- من الشيطان، وابتعدي عن الوحدة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وحاولي دائما أن تقتربي من الصالحات، وأن تكثري من ذكر وطاعة رب الأرض والسموات، وأن تتوجهي لمن بيده الخيرات -سبحانه وتعالى-.
ونحب أن نؤكد لك أن هذه المشاعر ليست في مكانها، فحاولي دائما مخالفة هذه النفس، مخالفة هذا الهوى، وابحثي عن القواسم المشتركة بينك وبين الناس، لكي تتكلمي مع الناس اعرفي الأمور التي يهتموا بها ويغتموا لها، اتخذيها مدخلا إلى نفوسهم، فإن الإنسان لا بد أن يعيش دهره مع إخوانه ومع أخواته، ونحن نرحب بك في الموقع، وندعوك للتواصل الدائم مع هذا الموقع ومع المواقع الطيبة، وعرض ما في نفسك، فنحن أيضا لك في مقام الآباء والأمهات، وفي مقام الإخوة والأخوات، وفي الموقع فاضلين وفاضلات، شرف لهم أن يكونوا في خدمة أمثالك من الصالحات.
ونكرر: إذا أصلح الإنسان ما بينه وبين ربه أصلح الله له ما بينه وبين الناس، وألقى له المحبة، قال العظيم في كتابه: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} يعني محبة في قلوب الخلق، فاحرصي على طاعة الله، واعلمي أن قلوب العباد بين أصابع الرحمن يصرفها.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، وأن يعينك على كل أمر يرضيه، ونكرر ترحيبنا بك، وندعوك إلى كسر هذه الحواجز الوهمية، والتحاور والتشاور والضحك مع من حولك، فإن هذه الحياة قصيرة، فما ينبغي للإنسان أن يحاصر فيها نفسه بحواجز وهمية وبتخيلات وهمية.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.