السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أنا فتاة عمري 21 سنة، وجدت نفسي وحيدة، لأسباب كثيرة، فأنا أعرف كثيرا من الناس، لكنني أتعامل معهم بحدود، والأصدقاء المقربون أجدهم يتناقصون، فقد كانت لدي صديقة تسمعني وتتجاوب معي، فأنا أحب الكلام في مواضيع هادفة، وهي كانت تفهمني، ومع السنين والدراسة أصبحت كل منا في عالمها، ومع ضغوط ومشاكل الحياة، أحتاج أن أتحدث لا أستطيع الكبت والكتم لآرائي، أريد من يناقشني ويسأل، أحيانا أجد هذه الوحدة أفضل من مخالطة الناس في هذا الزمان، فأغلبهم حاسدون، وقد يجروننا للشرف، أتعامل معهم في حدود، ومن بعيد، ولكنني في هذه الوحدة أريد من يشاركني، حتى وإن اختلفت آراؤنا، المهم هو البوح.
أيضا كما قلت الناس ليسوا كلهم حاسدين ففيهم الخير -والله-، لكن ربما أخاف التعلق بأحد ومعرفتي بحقيقة أن الإنسان يعيش ويموت ويحاسب وحيدا، ولا أريد بقلبي التعلق بغير الله، وربما الراحة، لكن ما يتعسني في وحدتي الصمت.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- أن يشرح صدرك، وأن يوفقك لكل خير، وأن يمن عليك بصديقة صدوقة صالحة تستطيعين معها أن تخرجي معها ما في نفسك، وتفضي إليها بأسرارك، وتتناقشين معها في قضاياك الهادفة والمفيدة.
وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الفاضلة- فإنه مما لا شك فيه أنه ما من إنسان منا إلا ويتمنى أن يكون له صديق صالح يفضي إليه بمكنون نفسه، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما نزل عليه الوحي في أول أمره، جاء إلى زوجه خديجة -رضي الله عنها- وقال: زملوني زملوني، إلى غير ذلك، وكان إذا حزبه أمر استشار، وسأل أبا بكر -رضي الله عنه-، وعمر -رضي الله عنه-، على اعتبار أنهما من وزرائه الكبار يعرض عليهما ما حدث، وما جرى، هذه طبيعية بشرية وفطرة إنسانية أن الإنسان يحب أن يكون له أحد يفضي إليه بمكنون سره، ويبوح إليه بأدق أموره، ولكن هذا ليس بالأمر السهل، فإن كسب ثقة الإنسان تأتي بعد فترة من التجارب والخبرات، فإذا وجدنا ذلك فحسن، وإن لم نجد فخير للإنسان أن لا يفضي سره لأحد من الناس؛ لأنه إن خرج منه أصبح ملكا لمن سمعه منه، وقد لا يكون أمينا فيحدث تشويشا على حياته، وقد يسيء الناس الفهم، وقد يكون هذا الكلام له أهمية قصوى بالنسبة لأسراره الخاصة، أو له علاقة بآخرين من الناس، فيترتب على ذلك حدوث مشاكل عظيمة.
لذا وجود الصديق الصدوق الأمين هذه عملة نادرة، ولكن ليست مستحيلة، وأنت ما زلت إلى الآن في مقتبل العمر الـ21 من عمرك، فأمامك فرصة طويلة، خاصة في أثناء فترة الدراسة، أن تجدي لك صديقة صدوقة تفضين إليها بمكنون سرك ونفسك، ولكنني أنصح أن لا يكون ذلك لأي أحد، ولكن يكون ذلك باختيار دقيق؛ لأن السر إذا خرج منك أصبح ملكا لغيرك، وقد يعرضك لخطر، خاصة أنك فتاة والفتاة كما تعلمين تختلف ظروفها عن الرجل في حساسية الأسرار.
أتمنى إذا كنت لم تصلي بعد لصديقة صدوقة، أن تعوضي هذا الأمر بالكتابة، وكما ذكرت أن المهم هو البوح بالأسرار، فأقول لماذا لا نحول هذه المهارة إلى مهارة كتابة، وبذلك ستحققين إنجازا رائعا، فإن معظم الكتاب الذين كتبوا كتابات كان لها دور مهم في إقامة الدورات، وفي تغيير أوضاع اجتماعية عالية كان ذلك من كتابة الأفكار، ولذلك ننصح بأن نستعيض عن الصديقة الآن بالكتابة، وأن تحاولي إخراج مكنون نفسك عبر الكتابة، وهذه الأوراق مع الأيام قد تتحول إلى شيء رائع وتجارب مهمة، وإلى أفكار رائعة.
فأقول نبحث عن الصديقة الصدوقة ولكن بهدوء، ولا نتعجل؛ لأن حفظ الأسرار أدق من حفظ الأموال، ونستعيض عن ذلك بالكتابة حتى ييسر الله لنا ذلك، وأعتقد أنك ستجدين بالكتابة خير عون، وكما قيل: وخير صديق في الزمان كتاب.
وكتابتك قد تتحول مع الزمن إلى شيء رائع، وتحفة راقية، وخاصة أنك تذكرين الأشياء الهادفة، والبناءة، وأنك لا تحبين تضييع وقتك فيما لا ينفع، عامة الناس قد لا يكون فيهم ما تريدين، ولذلك اجعلي علاقتك مع الناس كملح الطعام، خاصة في مثل هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، وانتشرت فيه الملاهي، فاعتزال الناس أفضل حافظ على الوقت والدين، فالاختلاط قد يجر للغيبة والنميمة وإلى أمور لا يحمد عقباه.
وبالله التوفيق.