السؤال
السلام عليكم..
والدي توفي منذ شهرين ونصف تقريبا، ومنذ وفاة والدي وأنا مصابة باكتئاب حاد، حيث أشعر بأن الدنيا أغلقت أبوابها في وجهين وأنها مظلمة، وأرغب بالموت، ودائما ما أسأل الله أن يأخذ روحي، وأشعر بأن بيني وبين الجنون شعرة، فالأحلام والكوابيس تلازمني، وكلها عن والدي، أحاول أن أنسى موته، وابتعدت عن صديقاتي، ولا أجيب على اتصالاتهم، كما أن مستواي الدراسي ينخفض ولا أشعر بالرغبة في الدراسة، ولو صادف أن ضحكت من شيء، فأنا أقول بيني وبين نفسي: أنا لا أستحق الضحك، فأبي رحل، وأنا أستمتع بالحياة!
دائما أبكي، وأنتحب، وأشعر بأنني سأصاب بالعمى إن لم أتوقف عن البكاء، أشعر بأن الحياة سيئة جدا، لم تكن نظرتي للحياة هكذا، ولكن الآن أشعر بان الحياة لا قيمة لها، وقد قمت مرتين بإيذاء نفسي، فقد أحرقت يدي عمدا بالماء الحار، وحرمت نفسي من الطعام إلى أن انخفض ضغطي، وفقدت وعيي، ثم أجبرني أخي على تناول الطعام.
أشعر بوحدة قاتلة من بعد موته، أقرأ يوميا سورة البقرة علها تخفف مما أشعر به ولكن دون جدوى، كما أنني محافظة على صلواتي.
ينتابني شعور بالقلق أن يتطور اكتئابي وأنتحر، لا أريد خسارة الآخرة، ولكن ما يدور بعقلي الآن يجعلني على حافة الهاوية من الانتحار.
أفيدوني، وأتمنى من الله أن لا يحرمكم الأجر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الأحزان لها مراحل ودرجات، وهي تعتمد على درجة تحمل الإنسان وصبره وإيمانه، وعلاقته بالمتوفى، والشيء المعروف المعهود أن الناس قد تتجلد وتصبر بعد حدوث الوفيات، ولكن بعد ذلك قد يعبر عن الأحزان بصورة مبالغ فيها، وهكذا يحدث لبعض الناس، وأعتقد أنك تمرين بهذه المرحلة، والتي غالبا قد تستمر من شهرين إلى ثلاثة، بعدها -ن شاء الله- سيكون هناك شيء من التعود أو التعايش مع الوضع الجديد.
نحن نحب الناس الذين تشع الرحمة من قلوبهم، ولكن في ذات الوقت يجب أن توجه هذه الرحمة، واللطافة في الشعور، وذلك من خلال الوعي والإدراك بأن الموت أمر حتمي، وإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له)، إذن أنت الآن لديك وظيفة وواجب وهو من بر والدك، أما البكاء والتفكير بالانتحار، فهذا لن يفيدك ولن يفيد والدك، بل هي مخالفات واضحة، ولكن التصدق والدعاء له هو الذي يفيد، وأنت الآن لديك دور كبير في الحياة، وهو الدعاء له، والسعي لإخوانك بأن يصلوا من كان يصلهم والدك.
أنت الآن انكببت على الأحزان، وجعلتها تسيطر على وجدانك، وهذا ليس صحيحا، فالموت أمر حتمي، وأنا أقدر حزنك، ودائما تستوقفني بعض المواقف حول الموت، وأرجو أن تستوقفك أيضا، حين رجع الصحابة -رضوان الله- عليهم بعد أن دفنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألتهم فاطمة -رضي الله عنها-: "كيف طابت لكم أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟"، يا له من كلام عظيم يشعل الوجدان، هذه هي السيدة فاطمة، فتأثرك بالحزن لفراق والدك هذا أمر جميل، ونحن نؤيده تماما، ولكن ينبغي أن لا ينسيك دورك في الحياة، فغيري منهجك في التفكير، وكوني من الناجحين والمتميزين، واحملي اسم والدك حتى يشار إليك بالبنان، وادعي له وتصدقي عنه بالقليل، واجعلي لنفسك خبيئة، وتقدميه وتتوسلي بها إلى الله تعالى، هذا هو المطلوب منك.
عيشي الحياة بكل جمالها، وتواصلي اجتماعيا، واذهبي لمراكز تحفيظ القرآن، وتعلمي من الداعيات والدارسات خير الكلام، وأنا أراك فتاة موفقة، وتعبيرك عن عواطفك أقدره تماما، لكن المنهجية خاطئة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ورحم الله والدك وجميع موتى المسلمين.