السؤال
مشكلتي هي أنني عندما أخرج من منزلي لوقت طويل، مثلا لزيارة أشخاص مقربين، أو كنت أقضي عطلتي الصيفية في مدينة غير مدينتي (مع أهلي بالطبع)، مهما كان الأشخاص الذين هم معي قريبون جدا مني، أو مهما كان المكان ممتعا ومسليا ورائعا، يظل جزء مني (وليس بصغير) يشعر بعدم الراحة والأمان، وأريد الذهاب إلى المنزل سريعا؛ لأني لا أشعر بالأمان إلا في منزلي، فهو الأمان بالنسبة لي!
منذ فترة طويلة توجب علي السكن في مدينة أخرى من أجل دراستي، كان ذلك صعبا بالنسبة لي لأني لم أشعر بالأمان مطلقا، لم أكن مرتاحة، كانت حياتي كئيبة وحالتي النفسية سيئة وكانت درجاتي سيئة ولم أمض إلا سنة ونصفا في جامعتي وانسحبت منها، وقلت لأهلي لا أستطيع الاستمرار هنا، أريد العودة لمدينتي وبيتي، عدت، ولكن لم أعد لتكميل دراستي. لا أعلم ماذا حدث لي بعد تلك التجربة!
أهلي وصديقاتي يحدثونني كثيرا بشأن أن أسجل بالجامعة وأكمل دراستي, ولكني أجيبهم بأنني لم أعد أريد أن أدرس. ومرة صديقة لي اقترحت علي أن أذهب لجامعتها، تحمست للفكرة لأنني كنت أريد أن أراها بشدة, ولكن عندما دخلت لا أعرف أن أصف شعوري، كانت الجامعة كبيرة جدا وبها مئات الطالبات، في البداية توترت اقترحت أن نفطر, وأنا لم يكن في رأسي سوى العودة إلى المنزل، كنت خائفة لدرجة أحسست وكأنني سأمرض! أكلت إفطاري من غير شهية، وقلت لها أريد العودة لكنني ظللت ساعتين هناك لم أشعر فيها بالراحة؛ رغم وجود صديقتي المقربة جدا جدا! لذلك لا أفكر بالذهاب إلى الجامعة بعد هذا الموقف لأنني أيقنت أنني لا أستطيع الاستمرار في هذا المحيط؛ خصوصا أن صديقتي على وشك التخرج وانا لا أعرف سواها.
أرجو أن تساعدوني. لا أريد أن تؤثر هذه المشكلة على حياتي الشخصية غدا، ولا حياتي الدراسية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ gawaher حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على الكتابة إلينا، والتعبير عما تمرين به وبشكل جيد.
إن ما وصفت في رسالتك لهي حالة من أنواع الرهاب، حيث يتهيب الشخص الابتعاد عن البيت، ولا يعود يشعر بالإطمئنان إلا بين جدران منزله، وشيئا فشيئا يجد نفسه يتجنب الخروج من البيت لفترة طويلة، أو لمكان بعيد، بينما يستطيع ربما الخروج لفترة قصيرة أو لمكان ليس ببعيد عن المنزل.
قد تكون شدة هذا الرهاب لدرجة أن المصاب قد يترك عمله، لأنه يتطلب منه الابتعاد كثيرا عن البيت، وكما حدث معك عندما تركت الجامعة والتعليم بسبب هذا الرهاب، وطبعا التجنب وعدم الخروج من البيت لا يحل المشكلة، وإنما كلما انسحبت أكثر، كلما ضاق عليك الأمر.
لقد أحسنت بمحاولة زيارة الجامعة مع صديقتك، ولو كتبت لنا قبل ذهابك لكنت أخبرتك بأن الأمر لن يكون سهلا من المحاولة الأولى، وستنتابك الأعراض التي وردت في رسالتك عندما كنت في الجامعة، وبأن الأمر ستحسن وبالتدريج، وبحيث تصبحين كغيرك من الفتيات في الجامعة، فأنت لست بأقل منهن.
الأمر الآن من اختيارك، فإما أن تختاري عدم الخروج، وترك الجامعة وعدم العودة إليها، وما يمكن أن ينعكس عليك سلبيا من تحطم أحلامك، أو أن تقرري بأنك تريدين أن تعيشي حياتك التي وهبها الله لك، وأنت ما زلت في العشرين من العمر، وأمامك المستقبل مفتوح على كل احتمالاته، ولتعيشي حلمك أو أحلامك والحياة التي تتطلعين إليها من العلم والدراسة والتخرج... وأرجو صادقا أن يكون هذا خيارك، اختيار الحياة والانطلاق، وخاصة ما شعرت به من خلال رسالتك من الفطنة والحكمة والحيوية.
ليس عندي شك من أنك تستطيعين تجاوز صعوبة هذا الرهاب، وستصلين إلى ما تريدين، وطبعا لن يكون سهلا من المحاولة الأولى، ولكن مع قليل من المثابرة وقليل من الصبر سيسهل الأمر عليك، وتصبح هذه المشكلة مجرد صفحة من صفحات حياتك المليئة بالنجاحات.
إذا صعب عليك كثيرا القيام بكل هذا من نفسك، فيمكنك أن تراجعي الأخصائية النفسية الموجودة في الجامعة، فهي لا شك قد ساعدت طالبات أخريات بمثل هذه المشكلات من الرهاب.
وفقك الله، وجعلك من المتفوقات، وإن شاء الله نسمع أخبارك الطيبة.