السؤال
أعاني من ضعف في الشخصية منذ الصغر, وأنا أشعر بأني أختلف عن الجميع, منطوية, قليلة الاحتكاك بالناس, إلى أن كبرت, وساء أمري أكثر بعد الانتهاء من الدراسة, ولعدم حصولي على معدل زاد وضعي سوء, وانهارت نفسيتي, وأصبحت محبطة ومكتئبة أكثر.
كرهت الحياة بسبب ضعفي وقلة إرادتي, حاولت الانتحار أكثر, ضعفت صلتي بربي, إلى أن وصل بي الوضع إلى التشكيك في الله, وفي الدين, لا أجد أي رغبة في الصلاة, ولا بقراءة القرآن, وكل مرة أحاول فيها؛ أشعر أنه لا منفعة منها, وليست لدي رغبة لأدائها, أصبحت حزينة جدا, وأفكر في الانتحار للمرة الثالثة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قطعا أول ما أنصحك به هو أن تذهبي وتقابلي طبيبا نفسيا، والحمد لله تعالى عمان بها الكثير من المختصين المتميزين.
حالتك بالرغم من الضجر الذي تعانين منه والاكتئاب والتوترات وتفكيرك في الانتحار، إلا أنها يمكن أن تعالج، تعالج من خلال أن تجلسي مع نفسك جلسة تشاورية تفهمي فيها نفسك بصورة أفضل.
أنت الآن جعلت الجوانب المحزنة والجوانب الممزقة للوجدان الإنسان هي التي تسيطر عليك، وقبلت بهذا الوضع، لا، أنت شابة مسلمة، من أسرة كريمة، من حقك أن تعيشي حياة طيبة وجميلة، هذا يجب أن يكون مستوى تفكيرك، لا أن نفكر في الانتحار، أو أنك شخصية ضعيفة، هذه مفاهيم خاطئة، مفاهيم قبيحة, الناس في بعض الأحيان تقبل مشاعرها دون أن تحللها أو تفكر فيها بصورة مختلفة، وهذا هو الذي يؤثر على الناس.
أنا أنزعج جدا لما أسمع من شاب أو شابة مسلمة يقولون أننا نريد الانتحار، أنا أعرف جيدا أنهم لا يريدون الانتحار، وأنهم لن ينتحروا، لكن هذا القول هو تساهل من أنفسهم، وهو تحطيم لذواتهم، وفيه شيء من محاولة لفت الانتباه، وهذا غير مرفوض، لكن لا يعبر عن المشاعر بهذه الطريقة.
فكما ذكرت لك اجلسي مع نفسك جلسة إيجابية مختلفة تماما، أعيدي تماما صياغة أفكارك, اعتقادك من أن مشكلتك بدأت من الصغر: الصغر قد انتهى ولن يعود، المهم هو الآن والمستقبل، اجعلي لحياتك معنى، اجعلي لحياتك هدفا، اتقي الله في نفسك وفي من حولك، كوني بارة بوالديك، اجعلي لنفسك برامج يومية إيجابية تديرين من خلالها وقتك، والطبيب النفسي سوف يقوم بكتابة أحد الأدوية التي تفيدك في علاج الاكتئاب.
موضوع التشكيك في الدين: هذا فكر وسواسي قبيح، يجب أن يقاوم ويرفض, وموضوع عدم الرغبة في الصلاة هذا من الشيطان, وضعف النفس، فيجب أن تكوني يقظة ومنتبهة في هذا الموضوع، ويجب ألا يستدرجك الكسل والوسواس وفعل الشيطان بأن تهملي في دينك.
الإنسان إن كانت لديه مشكلة لا يحلها بمشكلة أخرى، بل تكون له أدوات إيجابية لحل مشكلته، والصلاة هي أهم حل للهموم والمشاكل، تذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال (أرحنا بها يا بلال) لم يقل أرحنا منها، بل أرحنا بها من الهموم والأحزان والضجر والكآبة والاكتئاب.
احرصي على صلاتك، لا تجعلي للشيطان سبيلا أو وسيلة لينفذ إلى نفسك، وأنت أفضل مما تتصورين، والتفكير الإيجابي وإعادة صياغة الفكر بصورة أفضل هو الذي سوف يعالج حالتك، مع ضرورة الذهاب إلى الطبيب كما ذكرنا، وتناول أحد الأدوية المضادة للاكتئاب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الأمراض النفسية وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرحبا بك ابنتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يذهب عنك كل مكروه، وأن يشرح صدرك، ونحن وصيتنا لك -أيتها البنت الكريمة- أن تتفكري أولا في الحكمة التي من أجلها أوجدك الله عز وجل على هذه الأرض، والمصير الذي ينتظرنا وينتظرك بعد الانتقال من هذه الحياة، فإذا أمعنت النظر في هذا بهدوء وروية فإنه سيتبين لك كثير من الحقائق التي أنت الآن تعيشين غفلة عنها.
إن المرحلة التي نعيشها في هذه الحياة مرحلة قصيرة جدا بالنسبة لأعمارنا الطويلة التي تنتظرنا بعد الموت، فالموت ليس هو النهاية، ولكنه بداية حياة جديدة طويلة، وهي إما تعاسة أبدية، وإما نعيم أبدي، ونحن نعيش مرحلة الاستعداد لتلك الحياة، نزرع هنا من أجل أن نحصد هناك.
إذا تفكرت في هذه الحقيقة –أيتها البنت– فإنه سيذهب عنك كثير من الهم، فإن الموت ما ذكر في شيء ضيق إلا وسعه، ولا ذكر في واسع إلا ضيقه، ومعنى هذا الكلام أن الإنسان مهما أصيب في الدنيا من المصائب فإنه إذا تذكر أجر الآخرة ونعيم الآخرة إذا هو قام بما أمره الله تعالى به فإن هذا التفكير والتذكر بثواب الآخرة وعيشها الهنيء يطرد عنه همومه وغمومه.
أنت -أيتها البنت العزيزة- كما أفادك الدكتور محمد –جزاه الله خيرا– شابة مسلمة، في مجتمع مسلم، ينبغي أن تحمدي الله تعالى كثيرا وتشكريه على نعمه هذه، فأنت مؤهلة لأن تكوني من أصحاب الجنان الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بإسلامك -نسأل الله تعالى أن يتوفانا وإياك على عليه– تكونين ممن اصطفاهم الله تعالى وهيأهم ليكونوا من سكان جنات عدن، فاشكري الله تعالى على هذه النعمة، ومن شكر هذه النعمة أن تحاسبي نفسك على فرائض الله، فتتفكرين فيما يقربك إلى الله تعالى ويبعدك عنه.
ومما يعينك على ذلك -أيتها البنت العزيزة- أن تحاولي حضور مجالس الذكر، والتعرف على النساء الصالحات، وأن تكثري من سماع المواعظ والمحاضرات التي تذكرك بالجنة وتذكرك بالنار، وهي كثيرة، مبثوثة على موقعنا وعلى غيره من المواقع الإسلامية المباركة.
الانتحار -أيتها البنت العزيزة- لن يحل لك المشكلة، ولكنه سينقلك إلى شقاء لا تستطيعين بعده الندم ولا تدارك ما فات، ومن قتل نفسه متوعد أشد الوعيد بأن يعذبه الله تعالى في نار جهنم، كما صحت بذلك الأحاديث، فاحذري أن يستدرجك الشيطان إلى هذا المصير المؤلم الذي من وقع فيه فإنه يندم حين لا يفيده الندم، وانظري تفصيل ذلك: (262983 - 110695 - 262353 - 230518).
الحياة جميلة، إذا ما أدرك الإنسان غرضه وغايته منها، وأيام الإنسان لا تزيده إلا خيرا، فإن كل تسبيحة يسبحها الإنسان في هذه الدنيا تغرس له بها في الجنة نخلة.
اتقي الله تعالى في نفسك، واعلمي أنك إن اعتصمت بالله تعالى وتذللت له وانطرحت بين يديه ولجأت إليه لجوء صدق فإنه لن يخذلك، فأكثري من الاستغفار ودعاء الله تعالى، واجعلي لك وردا من القرآن، داومي على الصلاة، واستعيني على ذلك بصحبة الصالحات.
نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير.