السؤال
السلام عليكم
كنت أعاني من وساوس منذ أربع سنوات، وكانت كل هذه الوساوس في العقيدة، إلى أن دلني أحد الأفاضل قبل سنة ونصف إلى علاجها بالاستعاذة بالله العظيم، والانتهاء، وخفت كثيرا بفضل الله، ولكن هناك نوع من الوساوس أتعبني كثيرا، وكلما أتخلص منه يأتيني بعد فترة، وهو في القضاء والقدر.
أعلم أن القدر هو سر الله في خلقه، ولا ينبغي الخوض فيه، وأعلم أن أعلم الناس بالقدر أقلهم خوضا فيه، ولكن هذه الوساوس كانت تجبريني أن أخوض فيه، وكان من طرح الشيطان وساوسه في هذا الشأن أن يوسوس لي أنه ما دام الله قدر لي الطاعة والسيئة فإني مجبور على فعلهما، وتارة يوسوس لي لماذا يثيبك الله على الحسنة وهو قدرها لك؟ ولماذا يعاقبك على السيئة وهو قدرها عليك؟
أحيانا يوسوس لي إن كان الله عز وجل قد كان خلقك وخلق جميع أفعالك فأنت مجبور على فعلها، يعني وصلت لدرجة أحس أن الناس مثل (الريموت كنترول) تتحرك مجبورة، فهي تتحدث وتأكل وتشرب وتفعل أي فعل تعمله وهي مجبورة عليه، وقرأت في هذا الموضوع كثيرا جدا من كتب أهل السنة والجماعة.
أكلمكم الآن بعد أن خفت الوسوسة بنسبة90%، والمعلومة التي أريد التأكد منها هل أي حسنة أو معصية أعملها بإرادتي واختياري علمها الله أزلا وقدرها؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا أيها الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل الوساوس ويذهبها عنك، ووصيتنا لك أيها الحبيب أن تستمر في هذا الطريق الصحيح الذي سلكته، وهو الإعراض عن الوساوس، فإنه لا علاج أمثل وأحسن من الإعراض عنها، وهذه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم – إذ قال: (فليستعذ بالله ولينته).
من استعاذ بالله تعالى عند ورود الوسواس عليه وصرف ذهنه عن التفكير فيها، وانتهى عن الاسترسال معها، فإنها ستذهب عنه بإذن الله، وقد جرب الموفقون ذلك فانتفعوا به غاية النفع، وهذا ما نقله لنا العلماء عن المجربين من الموفقين، فاثبت على هذا الطريق واستمر عليه، واصبر على ذلك، ستشفى عن قريب، بإذن الله تعالى.
علاج هذه الشبهة التي طرأت عليك في باب القدر علاجها الصحيح هو أن تعرض عنها ولا تعرها اهتماما، فإن الشبه لا طرف لها، وكلما أوجدت جوابا لشبهة أثار الشيطان في قلبك شبهة أخرى (وهكذا)، فالخلاص هو الإعراض، نسأل الله أن يوفقك لذلك.
الجواب عن هذه الشبهة سهل يسير أيها الحبيب، فإن الله تعالى هو خالقنا وخالق أفعالنا، ولكن هناك سر لطيف به يزول الإشكال، فإن هذه الأفعال التي نفعلها نعلم بالحس وبالعقل وبالضرورة أننا نفعلها باختيارنا، ونفرق بين الحركات الاختيارية التي يفعلها الإنسان باختياره ورضاه وبين الحركات الغير اختيارية كرعشة المريض ونحو ذلك من الحركات الاضطرارية، فالفرق واضح جدا، ولا داعي للمكابرة في نفي الفرق بين هاتين الحركتين، فأنت تفعل طاعاتك باختيارك، كما أنك تفعل المعاصي باختيارك، ولكن الله عز وجل هو الذي يوجد في القلب الإرادة لهذه المعصية أو لتلك الطاعة، وهو سبحانه وتعالى الذي خلق القدرة في البدن لتحقيق تلك الإرادة، فكل فعل لا بد له من إرادة وقدرة، هذه الإرادة والقدرة الله تعالى هو الذي يخلقها فيك، فينشأ عنهما هذا الفعل.
من ثم نقول بأن أفعالنا مخلوقة لله تعالى، لكن نحن أيضا في الحقيقة فاعلون، ولذلك يقول ربنا تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} فللإنسان مشيئة ولكن هذه المشيئة تابعة لمشيئة الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
هذا القدر أيها الحبيب يزيل عنك الإشكال، والله عز وجل يترك لك الاختيار، فأنت تفعل باختيارك، يبين لك طريق الخير وطريق الشر، كما قال سبحانه وتعالى: {وهديناه النجدين} وقال: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} فبين لك الطريق وترك لك حرية الاختيار، ثم يثيبك سبحانه وتعالى بفضله ورحمته مع أنه هو الذي أعانك على هذه الطاعة تفضلا وتكرما، ويعاقبك إذا اخترت طريق المعصية وفعلتها.
أما لماذا يوفق سبحانه وتعالى بعض الناس فيعينهم على أنفسهم ويأخذ بأيديهم حتى يفعلوا الطاعات ويخذل آخرين حتى يفعلوا المعصية؟ فالله عز وجل له الحكمة البالغة لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون، هو أعلم سبحانه وتعالى من هو قابل للخير صالح لغرسه فيه ومن لا يصلح لذلك.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته أن يبصرنا وإياك في دينه.