السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته...
مشكلتي أنني أشعر أنني منافقة وخبيثة، حيث أنني عندما أعلم أن هناك شخصا لا يحب شخصا آذاني، ينتابني شعور لا إرادي بالفرح أو أتمنى أن يصيبهم سوء، ولكنني سرعان ما أستغفر الله، وأحاول صرف هذا الشعور، وأدعو لهم، لن أكذب، فكلما حاولت مسامحتهم أفشل، فلقد تأذيت نفسيا من معاملتهم وتصرفاتهم، والله أعلم بحالي.
أريد أن أكون فتاه طيبة متسامحة ومؤمنة، وليست خبيثة أو منافقة، عندما يمدحني الناس أنني فتاة جيدة، لا أجد هذا في نفسي بسبب الأفكار التي تأتيني، ولكن يشهد الله أنني أحاول صرفها عني، فما هو الحل لهذه المشكلة؟
بدأت أحاول أن لا أختلط بالناس كثيرا بسبب هذا، وأيضا أخذت بنصيحتكم وتجاهلت الوسواس المشكك بالعقيدة، وخف -والحمد لله-، ولكن تراودني كثيرا عندما أتكلم بالدين مع أي أحد، ولا أجد في نفسي أنني مؤمنة وأكره هذا، فهل أحاسب؟ بدأت بتناول بروزاك تقريبا من أسبوعين، ولكن وصف لي الطبيب جرعة واحدة في اليوم، فهل تكفي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nisreen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنرحب بك -ابنتنا الكريمة- في الموقع، ونشكر لك التواصل، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونؤكد أن فكرة السؤال رائعة، وتدل على أن فيك خيرا، وأن عندك نفسا لوامة تلومك على كل ما لا يرضي الله -تبارك وتعالى- ونحمد الله العظيم الرحيم الذي لا يؤاخذنا بما لا طاقة لنا به، ولا يؤاخذنا بمثل هذه الوساوس التي يجتهد الإنسان في صرفها، بل ربما كان صارفها مأجورا لاجتهاده وكرهه للشر ولكل ما لا يرضي الله -تبارك وتعالى- كما مضى ذلك في تفسير وساوس العقيدة عندما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة).
فكون الشيطان لا يملك ومبلغ علمه ونهاية قدرته أنه يجعلنا نوسوس ولكن يفشل في أن نخرج هذه الوساوس أو نعبر عنها بكلام أو أفعال أو أعمال، هذا في حد ذاته دليل على أن المؤمن يدافع ويدفع هذا الشر عن نفسه، فنسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية.
ونحب أن نقول: إذا كان الإنسان يكره إنسانا فليس من الحكمة أن يبدي له ذلك مهما كان الإنسان فيه من السوء، ولعل أبلغ دليل على هذا هو الرجل الذي أراد الدخول على النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إءذنوا له بئس أخو العشيرة) فلما دخل الرجل عليه هش له وبش له، واستغربت أمنا عائشة فقال: (يا عائشة إن شر الناس من ودعه الناس وتركه الناس اتقاء شره) أو كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فالمداراة مطلوبة، المداراة هو أن يعامل الإنسان كل إنسان بما يقتضيه حاله، وليس للإنسان أن يقابل الناس بما فيهم من قبح، ولكن يتلطف معهم، يجتهد في النصح لهم، ينتقي الكلمات، ولكن لا يعني ذلك لا يحسن مقابلتهم، فالمداراة هي أن يقابل كل إنسان بما يقتضيه حاله، أما المداهنة والتمثيل وغير ذلك، هذا هو المعنى الذي لا نريده.
ولذلك ينبغي أن تدركي أن الناس وإن كره بعضهم بعضا فإن الإسلام يدعوهم إلى إحسان المعاملة ومعاملة كل إنسان بما يقتضيه حاله، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط ولا يصبر.
إذا هذه مسألة ينبغي ألا تنزعجي منها، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينك دائما على الخير، ونؤكد لك أن مثل هذه الوساوس التي تجتهدين في دفعها لست آثمة عليها، فلا تستمعي لوساوس هذا العدو (الشيطان) واعلمي أن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.
وأيضا ينبغي أن يدرك الجميع أن الإنسان مطالب أن يعامل الناس جميعا (قطعا) بالحسنى، وإذا كان هناك إنسان يأتينا منه الشر فينبغي أن نجعل علاقتنا به محدودة، لكن ليس لنا أن نسيء إليه أو نحرجه أو نعزله، ولا نريد لك أيضا أن تنعزلي من الناس، لأن التي تخالط وتصبر – كما قلنا – خير من التي لا تخالط ولا تصبر، وهذا الذي يحدث لك بعيد عن النفاق، فلست منافقة، لكن الخوف من النفاق أيضا يدفع الإنسان إلى تأكيد معاني الإيمان؛ ولذلك السلف كانوا يخافوا من النفاق، لكن أنت إن شاء الله وبإذنه وبفضله بريئة من النفاق، فاحرصي على حسن المعاملة للناس، وانصحي لنفسك ولأخواتك.
نسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على كل أمر يرضيه.
------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. أحمد الفرجابي … مستشار الشؤون أسرية وتربوية.
وتليها إجابة: د. محمد عبدالعليم … استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
——————————————————
مشاعرك هذه بالفعل هي مؤلمة لنفسك، لأن نفسك أصلا طيبة، وأنك يقظة الضمير، وتريدين الخير بالناس بعكس ما تشعرين به، فمن ينافق ومن يحسد لا يشعر بذلك كثيرا إلا إذا وهبه الله -تعالى- الحكمة والبصيرة التي تجعله يستدرك نفسه، ومتى ما سعى الإنسان أن يستدرك نفسه بكثرة الاستغفار والصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم – وأن يكبح جماح هذه المنكرات في نفسه، وأن يعلم أن الله تعالى لا يحاسبنا على مشاعرنا، إنما نحاسب على أعمالنا، هنا تتفتت هذه المشاعر - أيتها الأخت الفاضلة الكريمة -.
والموضوع لديك قطعا فيه جوانب وسواسية، وأنت تريدين أن تكوني في حالة صفاء ونقاء نفسي ووجداني وعقدي، وهذا أمر جيد ومحمود.
نفسك المطمئنة انحسرت قليلا؛ لأن النفس الأمارة بالسوء تريد أن تبرز ذاتها، ولكني مستبشر جدا أن نفسك اللوامة سوف تصرعها - إن شاء الله تعالى – وتكونين في وضع الطمأنينة.
بالنسبة للعلاج الدوائي: أبشرك بأن الـ (بروزاك) والذي يسمى علميا باسم (فلوكستين) لا شك أنه دواء مفيد ومفيد جدا - بإذن الله تعالى – اصبري عليه حتى يتم البناء الكيميائي، وهذا قد يستغرق وقتا من الزمن، وبعد مضي شهر إذا لم تحسين بتحسن أرى أنه سوف يكون من الأفضل أن ترفعي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم – أي أربعين مليجراما – وأنا متأكد أن طبيبك لن يعترض على ذلك؛ لأن الجرعة العلاجية الخاصة بالبروزاك في بعض الأحيان تصل إلى أربع كبسولات في اليوم.
البشائر - إن شاء الله تعالى – قادمة، استمري على مكافحتك لشرور النفس، وأؤكد لك أن الخيرية سوف تنتصر فيك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.