السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا سيدة متزوجة، أعاني من وساوس متعلقة بسب الذات الإلهية، في بداية الأمر كنت أحاول مقاومة هذه الوساوس، لكني كنت أقوم بترديد الجمل القبيحة بعد ورودها على خاطري، إلى أن قرأت مؤخرا أن الاسترسال مع هذه الوساوس لا يجوز ومحرم شرعا، فصرت أمنع نفسي من تذكر أو معاودة ترديد هذه الأفكار والجمل القبيحة، إلا أني مؤخرا أذكر أني وبعد ورود هذه الوساوس في عقلي قمت بدفعها بداية، ثم قمت بترديدها في نفسي مع قدرتي على عدم فعل ذلك، أي قمت بذلك باختياري لكن من دون القصد بالسب، وللتوضيح أكثر قمت بتكرار تلك الجمل في نفسي مع القصد في الكلام دون قصد السب.
سؤالي: يا فضيلة الشيخ هل أنا مؤاخذة على ذلك؟ وهل أنا بذلك قد كفرت؟ علما أني قرأت عن درجات المؤاخذة عن حديث النفس، لكن في ذات الوقت أعتبر أن ما قمت به من ترديد للجمل في نفسي (سبا) لله في النفس عمدا، والذي يعد كفرا.
أرجو التوضيح من فضيلتكم، ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم فجر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة –، فإنه مما لا شك فيه أن الوساوس القهرية قد تصل بالإنسان إلى درجة رفع التكليف عنه إذا حكم بذلك أطباء علم النفس، لأن الوسواس القهري هو درجة من درجات الجنون، قد يؤدي بالإنسان إلى ذلك – والعياذ بالله تعالى – إذا لم يتم علاجه بطريقة صحيحة.
بناء على ذلك فإن الذي يصدر عن المصاب (المريض) فعلا بالوساوس القهري ومن النوع الشديد، فإنه لن يؤاخذ على ما يصدر عنه من أقوال، لأنه حاله كحال المجنون مسلوب الإرادة، أو الذي أصيب بنوبات صرع وتكلم في أثناء صرعه، فهذا لا يؤاخذ على ذلك؛ لأني ألاحظ من خلال كلامك أنك ترددين الكلام أحيانا بإرادة وقصد، وإن لم تقصدي حقيقة السب، وهذا يشكل خطورة – كما ذكرت أنت في رسالتك – إلا أني أقول: أتمنى أن نغلق الملف القديم تماما، وأن نحاول أن نفتح صفحة جديدة مع الله سبحانه وتعالى، بأن نجتهد قدر الاستطاعة في عدم ترديد هذه العبارات، لأن الذي فات قد فات وعلمه عند الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى -جل جلاله وتقدست أسماؤه- بين لنا أن العبد حتى وإن كان كافرا يستطيع أن يتوب إليه وأن يرجع.
لذا أنصحك - بارك الله فيك – أن تنطقي الشهادتين مرة أخرى، وأن تحاولي في مقاومة هذه العبارات المحرمة قدر الاستطاعة، لأن الله تبارك وتعالى قال: {فاتقوا الله ما استطعتم} ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). فإذا - بارك الله فيك – عليك بالمقاومة والعلاج، فالمقاومة هذا هو جهدك الفردي الذي ينبغي ألا تتوقفي عنه مطلقا، فلا تستسلمي لهذه التصرفات أو لتلك الهواجس الشيطانية.
ثانيا - بارك الله فيك -: أنا لم ألاحظ أنك تكلمت عن العلاج أو أنك أشرت إلى ذلك، وهذا أيضا خطر، فإنه لا بد لنا من العلاج، لأن الله تبارك وتعالى ما خلق داء إلا خلق له دواء، والوساوس القهرية أصبحت - ولله الحمد والمنة – لها الآن علاجات متقدمة، تستطيعين بها - بإذن الله تعالى – أن تتخلصي من هذه الوساوس.
كذلك أنصحك - بارك الله فيك – بعمل رقية شرعية، لاحتمال أن يكون هذا الأمر من الجن، فإن الوساوس بعضها أساسا من الجن، وبعضها يأتي من النفس، فعليك - بارك الله فيك – أيضا بالرقية الشرعية، مع الأخذ بالأسباب الطبية، لأنه لا يتعارض هذا مع ذاك.
عليك بالرقية الشرعية - بارك الله فيك – مع العلاج الطبي، كذلك أنصحك بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها، والمحافظة على أذكار ما بعد الصلوات، كذلك أذكار الصباح والمساء بانتظام، حافظي عليها قدر الاستطاعة، كما أوصيك بالاجتهاد في الدعاء، والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن الله تبارك وتعالى يشفيك من هذا البلاء، ويصرف عنك هذا الداء.
اجتهدي – وأكرر في ذلك – في عدم ترديد هذه العبارات، إذا كان حديث نفس في داخلك ولم تنطقي به، فإن هذا ليس فيه شيء، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يؤاخذكم الله بما حدثتم به أنفسكم)، أما المشكلة في ترديدها باللسان، فاجتهدي قدر الاستطاعة في محاولة مقاومة الرغبة الشديدة الملحة في ترديد هذه الكلمات باللسان، لأن الوسواس القهري هذه آفته، أنه يكون نوعا من الإلحاح القوي الذي يضعف الإنسان عن مقاومته في كثير من الأحايين، ولكن أيضا يستطيع أن يقاومه إن استعان بالله تبارك وتعالى واعتمد عليه، وحاول أن يقاوم ولم يستسلم.
لذا أنصحك - بارك الله فيك – بالمقاومة وعدم الاستسلام مع الأشياء التي أشرت إليها سابقا، مع أنصحك بالاستماع إلى رقية الشيخ محمد جبريل - المقرئ المصري – وهي على الإنترنت، لأنها - بإذن الله تعالى - ستفيدك في السكينة والاستقرار، لأن فيها كلاما رائعا، سوف تستفيدين منها في حياتك الخاصة والعامة.
أسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يوفقك لبدء العلاج - بإذن الله تعالى – في أقرب فرصة، كما أسأله تبارك وتعالى أن يعينك على مقاومة هذه الأفكار السلبية، وأن يوفقك للتخلص منها في القريب العاجل، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.
++++++++
انتهت إجابة الشيخ موافي عزب، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
++++++++
أشكرك على التواصل مع إسلام ويب، وعلى الثقة، وأود أن أطمئنك تماما - أيتها الفاضلة الكريمة – وذلك إكمالا لما ذكره الشيخ موافي عزب – حفظه الله – أنك - إن شاء الله تعالى - لست مؤاخذة على هذه الأفكار الوسواسية، فهي قاهرة، مستحوذة، متسلطة، إذ الإنسان مكره عليها لدرجة كبيرة، فلا تعنفي نفسك، ولا تعاتبي نفسك، ولا تحملي على نفسك فوق طاقتها، أبشري - أيتها الفاضلة الكريمة – هذه الوساوس نحن نرى أنها - إن شاء الله تعالى – دليل على صدق إيمان الناس، ومهما حاول الشيطان ومهما تحايل وحاول أن يتسلط على المسلم، - فإن شاء الله تعالى - هو مهزوم في نهاية الأمر.
المنهج العلاجي الصحيح - أيتها الفاضلة الكريمة - الذي يجب أن ينتهجه الإنسان هو أن يحقر هذه الوساوس، وألا يدخل في تفاصيلها، وأن يغلق عليها الباب، الوسواس مرض ذكي جدا، يحاول أن يفتح ثغرة هنا وهناك في فكر الإنسان ليستدرجه من أجل الاسترسال، لذا وصل علماء السلوك – ونحن كأطباء مسلمين – نرى أن هذا أفضل منهج، أن تحقري الوسواس، ألا تناقشيه، ضعيه تحت قدمك، عليك بإهانته، عليك بتحقيره، خاطبيه مخاطبة مباشرة (أنت وسواس حقير ولن أهتم بك أبدا) اصرفي انتباهك عنه تماما.
هنالك بعض الأمور السلوكية الجميلة التي رأينا أنها مضعفة للوساوس جدا، مثلا اربطي الفكرة الوسواسية حين تأتيك بشيء قبيح آخر، أو أدخلي على نفسك فكرة مخالفة تماما، ويمكنك أيضا أن تقومي ببعض التمارين السلوكية الممتازة، حين تأتيك الفكرة الوسواسية لا تناقشيها، لكن قومي بربطها مثلا بأن توقعي الألم على نفسك، اضربي على يدك بقوة وشدة شديدة حتى تحسي بالألم، هنا الربط بين هذا المنفر وهو إيقاع الألم والفكرة الوسواسية، قطعا سوف يحاول الوسواس يضعفها. هذه التمارين يجب أن تكرر باستمرارية.
الأمر الآخر هو أن تطبقي تمارين الاسترخاء، هناك مكون رئيسي جدا للوساوس وهو القلق، والقلق يزول من خلال الاسترخاء، وموقعنا لديه استشارة تحت رقم (2136015) أوضحنا فيها كيفية ممارسة هذه التمارين، فأرجو تطبيقها.
البشرى الكبرى التي أريد أن أزفها إليك أن الوساوس القهرية تستجيب جدا للعلاج الدوائي، هذه الوساوس إذا كانت وساوس خناسية، فالذكر والاستغفار والاستعاذة بالله تعالى من الشيطان يكفي لأن يحبطها ويزيلها، لكن الوسواس حتى وإن كان خناسيا ربما يكون الشيطان قد قذف قذفته ثم خنس، وهذه القذفة تتمثل في شكل تغيرات كيميائية – والله أعلم – ومن هنا يتحول الوسواس إلى وسواس طبي، وعليه يجب أن يأخذ الإنسان العلاج، فما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله، علمه من علمه وجهله من جهله. ومن فضل الله تعالى أن الوساوس الفكرية تستجيب للعلاج الدوائي بصورة رائعة جدا، أكثر من استجابة الوساوس الفعلية.
إذا اذهبي إلى الطبيب النفسي وقابليه، وإن استعصى عليك ذلك، فمن السهل أن تحصلي على أحد الأدوية المضادة للوساوس، ومن أفضلها عقار يعرف تجاريا باسم (بروزاك) ويسمى علميا باسم (فلوكستين)، الجرعة هي أن تبدئي بتناول الدواء عشرين مليجراما يوميا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم اجعليها أربعين مليجراما يوميا – أي كبسولتين – واستمري عليها لمدة شهر، هذه يمكن أن تتناوليها صباحا أو ظهرا، بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى ثلاث كبسولات في اليوم لمدة أربعة أشهر، ثم اجعليها كبسولتين يوميا لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم اجعلي الجرعة كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هنالك أدوية أخرى كثيرة، لكن هذا هو الدواء الأفضل والأنجع والأسلم، وغير إدماني، ولا يؤثر أبدا على الهرمونات النسائية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.