أتعبني وضع والدتي في اغتيابها للناس مهما حاولت إشغالها بالخير

0 455

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا، ونفع الله بكم أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- على إتاحة الفرصة لنا في تلقي كل ما هو مفيد ونافع.

أنا فتاة متدينة وداعية إلى الله، ونسأل الله الزيادة والثبات، أنعم الله علي بالحكمة والعدل وإظهار الحق، كل الأمور لدي على ما يرام -ولله الحمد-، بارة بوالدي كثيرا ولكن لدي عيبا وأراه أنه أسوأ عيب في الوجود، ودائمة الندم منه والبكاء بشكل كبير، ألا وهو أني صريحة جدا أمام والدتي -حفظها الله-، رغم أنني أحبها بشكل كبير جدا ولا أستطيع أن أفارقها أبدا، والمقصد هو نصحها، والدتي نسأل الله لها الهداية تغتاب كثيرا، وتظن السوء بالآخرين، ودائما ضد أبي -حفظه الله- لأنها عاشت في بيئة مليئة بالظلم والقسوة، وكلما كبرت كبرت مشاكلنا، وخاصة معي لأنني رفيقتها في كل حين، ولأنني أرى الحق ولا أستطيع السكوت.

عندما أعلمها أنها مخطئة في أمر ما تغضب، وتدعو علي وهذا الأمر يؤلمني بشدة، ويجعلني في حالة بكاء دائم، فأنهض من مكاني وأنا غاضبة لأنها تردد كلمات في حقي تؤلمني جدا، وأحيانا إذا كان الكلام كبيرا جدا يصبح بيننا نقاش طويل، وهداني الله أردد كلمات لها في حالة غضب مثل: (خلاص اسكتي، أو أرفع صوتي بنطق بعض الكلمات) أقولها في حالة غضب شديد، وسرعان ما أتذكر أني أخطئت فأنهض من مكاني لغرفتي، وأبدأ في حالة بكاء وضيق لأنني نطقت لها تلك الكلمات، وأتركها إلى أن تهدأ هي وتهدأ نفسي، وبعدها نتحدث بشكل عادي جدا كأم وابنتها، ولكن للأسف يتكرر الأمر تقريبا أسبوعيا.

بعض الأحيان عندما نستمع لمحاضرة دينية أحتضنها وأنا في حالة بكاء، وأطلب منها أن تسامحني ولا تغضب مني، فتبكي هي أسعدها الله وتقول أنها يستحيل أن تغضب مني، وأنها تحبني بشكل كبير وتتمنى لي السعادة، وعندما أنصحها يوما ما ونتجادل في الحديث تقول لن أسامحك، فأبدأ كالمعتاد بالبكاء والندم.

أصبحت عندما أجلس معها أرجوها أن لا تذكر شخصا ولا تغتاب أهل والدي وغيرهم، أو تشتكي من الآخرين لأنني أتضايق من ذلك، وأعلم أن معظم أقوالها خاطئة، نفسيتي تعبت وأصبحت عندما أجالسها أخاف من أن تتحدث وتدخل في مواضيع غير منطقية، ولا يرضاها الله ورسوله فنعود للصراع، لا أستطيع أن أسكت عن الحق، ولا أستطيع أن أتحمل غضب والدتي لأنني أحبها بشكل لا يضاهى، أحاول جاهدة أن أصمت ولكن بعض كلماتها جدا خاطئة وكبيرة عن الآخرين، فأنصحها وأفهمها فتشتمني ونبدأ في الشجار.

تعبت نفسيا لأنها دائما في مشاكل مع والدي، مهما أنصحها وأفهمها لا جدوى، أحبها وأخاف عليها من الإثم والذنوب، ومن الألم والتعب، ودائمة الدعاء لها ليلا ونهارا أكثر من نفسي، الجميع يؤيدني في كلامي ويعلو أنها على خطأ، من أخواتي وأخوالي ووالدي -حفظهم الله-، اتفقت معها أن أحفظها القرآن وهذا من زمن حتى لا نتحدث في الدنيا وأمورها لأنها أمية، ولكن في الأيام الأخيرة توقفت عن الحفظ لأني تزوجت، ولكن لم أمكث مع زوجي السابق سوى 7 أشهر، وسرعان ما تطلقت منه، فأصبحت أمي لا تكف عن الحديث عنهم أبدا، بل أسوأ من السابق، وأصبحت في حالة ضيق من هذا الكلام، لم أعد أستطع أن أتحمل أن يغتاب شخص، أو أن يظن به ظن السوء، لأنني قليلة الحديث وكثيرة النصح، ودائما مع الحق فلا أتقبل أي ظلم.

ومع أن هذا جيد -ولله الحمد- ولكن أتعبني مع والدتي -حماها الله-، لأنها لا تتقبل النصح أبدا بل تصر على كلامها وتعيده مائة مرة، الجميع يشهد لي بالبر لوالدتي -ولله الحمد-، فقط نتشاجر في الحديث عندما تتحدث أمي عن الآخرين ومع ذاك هي على خطأ، فما العمل وماذا أفعل؟

أعتذر لكم عن الإطالة، وقد تكون هناك بعض الكلمات المتكررة وهذا بسبب الكبت، أنتظر انسكاب النصح منكم بارك الله فيكم وأسعدكم، فأنا في أشد الحاجه له لأن الموضوع يخص أغلى ما في الوجود، والدتي حفظها الله وأطال بعمرها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الداعية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية نرحب بك -ابنتنا (الداعية)- في الموقع، ونسأل الله لك التوفيق والسداد والثبات، وقد أسعدتنا هذه المشاعر النبيلة التي حملتك للكتابة إلينا، فإن الألم الحاصل عندك لمجرد ظهور الغضب على الوالدة أو من الوالدة عليك، دليل على وعيك بعواقب عقوق الوالدين وإدخال الأسى عليهم، ومع ذلك فإن الموازنة تكون صعبة بين تقديم طاعة العظيم وبين إرضاء الوالدين، ونحب أن تستخدمي الحكمة في ذلك، لأن الاحتساب على الوالدين أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - عندما يتعلق بأي واحد من الوالدين - ينبغي أن يكون بمنتهى اللطف، كما جاء في حكاية القرآن عن الخليل إبراهيم – عليه السلام –في خطابه مع أبيه بقوله: {يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ...}.

ولعلنا نلاحظ أيضا أن والد الخليل لما زجر الخليل وأساء إليه وطرده قائلا: {لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا} لم يقف الخليل ليشتم، ولم يقف الخليل ليؤذي والده، مع أنه يستحق أشياء كثيرة لشركه وكفره، بل كان خادما للأصنام راعيا لها وبائعا، ولكنه في أدب المؤمن قال الخليل: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا}.

لذلك عند النصح مع الوالدين ننصح، فإذا رأيناهم غضبوا نسكت وننسحب من المكان، ثم نعيد الكرة بطريقة أخرى، واعلمي أن كلام الوالدة عن الآخرين هي إعطاء من حسناتها وتوزع حسناتها عليهم، فأرجو أن تدخلي إليها من هذا المدخل، ولا تواجهيها مواجهة مباشرة، ولا تكذبي كلامها تكذيبا مباشرا، ولكن أعجبنا برنامج القرآن، وأعجبنا دائما عندما تأتي فتأخذي الحديث فتذكري لها قصة معبرة، قصة مفيدة، نشغلها بالخير قبل أن تشتغل بغيره.

ونشكر لك هذه المشاعر وهذا الحرص، ونتمنى أن تواصلي مسيرة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الوالد من كبار السن وكذلك الوالدة يحتاجان إلى لون من الملاطفة والعطف والشفقة والاحتمال، ولا مانع من أن تدفعي عن المظلومين، وتشتري تلك المظالم التي وقعت فيها الوالدة وتحسني لمن أساءت إليهم، ونسأل الله أن يزيدك حرصا وخيرا، وأن يقر عينك بصلاح هذه الوالدة وبعدها عن الشتائم والأذية، نسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر ذلك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهيأ لك من أمرك رشدا.

مواد ذات صلة

الاستشارات