قلبي محروق على ولدي المصاب بمتلازمة داون، أرشدوني لتجاوز أزمتي

0 444

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أم لبنت وولد، مشكلتي من بعد ولادتي بولدي نفسيتي متعبة وحزينة، بسبب أن ابني مصاب بمتلازمة داون، وأنا عمري 25 سنة، هو الولد الأول وعمره الآن خمسة أشهر، يقول الدكتور من خلال التحليل السبب ليس مني ولا من والده، هو قضاء وقدر، الأيام الأولى من الصدمة كنت أستغفر وأحسس نفسي أن الوضع عادي، وحاولت التأقلم مع وضعي الجديد، لكن ما زلت حزينة وقلبي مكسور كلما تخيلت أن ولدي سيصبح في يوم من الأيام رجلا متأخرا عقليا أتحسر وأكره نفسي.

أحمد الله كثيرا، لكن أنا محروقة من داخلي، أنا لم أقابل في حياتي طفل داون أو أي إعاقة، كنت أسمع من التلفزيون فقط، علاقتي بالناس تغيرت وأصبحت انطوائية، أتمنى أن أرجع مثلما كنت، لكن أحس أن ما أصاب ابني كسرني، والكل يشفق علي، وأحلامي بولدي تبخرت، كيف أتجاوز هذه الأزمة؟ أرجو منكم إرشادي لأني فعلا تعبت.

آسفة على الإطالة، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم ليان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة -، ونسأل الله أن يعينك على الرضا بقضاء الله وقدره، ونحب أن نؤكد لك أن المؤمن يرحب دائما، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) وكل ما يأتينا من الوهاب هو خير، وما يختاره الله لنا أفضل مما نختاره لأنفسنا، والإنسان يصبر على البلاء فينال عند الله درجات ما كان لينالها إلا بصبره على البلاء.

فاحمدي الله تبارك وتعالى، واجتهدي في الصبر، واجتهدي في الرضا بقضائه وقدره سبحانه وتعالى، فسبحان من لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون، واعلمي أنك لست وحدك، فإن هذا المرض أصبح في عدد كبير البيوت والأسر، والإنسان إذا تذكر ما عند الآخرين نسي ما عنده من آلام، وحمد الله على أنه أفضل منهم، فانظري إلى من هم أسفل منك في هذه الدنيا، ولا تنظري إلى من هم فوقك، كي لا تزدري نعم ونعمة الله عليك.

الإنسان في أمر دينه ينظر للأعلى ليتأسى، أما في أهل الدنيا فينظر إلى من هم دونه، وإذا نظر إلى من هم أقل منه فسيجد من يغوص في البلاء، ومن فقد العينين والأرجل، أو من أحيط بالمصائب من كل جانب، فالحمد لله الذي عافاك مما ابتلاهم به، والحمد الله الذي جعل المشكلة واحدة. بعض الناس ابنه عنده حالات مثل هذه أو أصعب، وهو مصاب بأمراض مستعصية، وزوجته مريضة، وابنه الكبير هكذا. يعني تجدين بعض الناس أحاط بهم البلاء، والإنسان إذا نظر في أحوال أهل البلاء نسي مصيبته.

فنسأل الله أن يعينك على الصبر، وندعوك إلى أن تلزمي الاستغفار، وتعوذي بالله من شيطان يريد أن يشوش عليك من أجل أن تسخطي وتتسخطي، والله إذا أحب ابتلى، فمن رضي فله الرضا وأمر الله نافذ، ومن سخط فعليه السخط وأمر الله نافذ. فاتقي الله واصبري، واعلمي أن الصبر عند الصدمة الأولى، وانجحي في هذا الاختبار لتنالي الأجر والثواب عند الله.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية، ولا تلقي اللوم على أحد، فإن الأمر - كما أشير - قضاء وقدر، وحتى الأسباب لا تعمل إلا إذا قدر مسبب الأسباب سبحانه، فنسأل الله لنا ولكم التوفيق، وأن يجعلنا جميعا ممن أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، هو ولي ذلك والقادر عليه.

________________________________
انتهت إجابة الدكتور أحمد الفرجابي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفاعلك هو تفاعل إنساني، لا أحد ينكره أبدا، لا أحد ينكر عليك شعورك بانكسار القلب وبالحزن نسبة لأن هذا هو طفلك الأول، ومتلازمة (داون) بالفعل هي متلازمة قد لا يستطيع الإنسان أن يعيش معتمدا على ذاته، ولا بد أن يعتمد على الآخرين. فإذا تفاعلك هو تفاعل إنساني مقبول، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى -أيتها الفاضلة الكريمة-، الآن يواجه هذا الأمر من خلال الآتي:

أولا: نعم هو ابتلاء، وهو قضاء وقدر.

ثانيا: أنا أريدك أن تتعرفي على أمهات لديهن أطفال بمتلازمة داون. نعم الشيء السائد هو أن هذه المتلازمة نادر جدا أن تصيب الطفل الأول، فهي تحدث للأمهات في عمر متأخر نسبيا، لكن الذي يظهر لي أن في حالتك هي من خلال تأثير جيني مباشر، -وإن شاء الله تعالى- سوف تأتيك الذرية الطبيعية الصالحة كاملة الخلق والخلق.

وصدقيني -أيتها الفاضلة الكريمة- أن هذا الطفل -إن شاء الله تعالى- يصبح نوارة البيت، يصبح الفأل الحسن للبيت، شاهدت هذا وعرفت هذا، وتعاملت مع الكثير من الأمهات والآباء الذين لديهم أطفال يعانون من متلازمة داون، وأنت نفسك سوف تحسين بمحبتك الشديدة لهذا الطفل وكذلك والده.

لا تؤنبي ضميرك على أي شيء، وهذا قدر -كما ذكرنا لك-، ولا تنسي أن هؤلاء الأطفال أصبحت الآن تتاح لهم فرص تأهيلية كبيرة، هم أطفال يحبون المرح، وكذلك يعايشون المرح والفرحة في قلوب الآخرين، عيشي مع هذا الأمل، عيشي مع هذا الرجاء، واسألي الله تعالى أن يرزقك ذرية أخرى تفرحين بها، وأنا متأكد أنه سيكون محط اهتمام إخوته، ومرتكز محبتهم، ومساعدتهم له؛ شاهدنا هذا، وتعايشنا مع هذا.

أكرر أن مشاعرك هذه مفهومة، لكن تخطيها، أيضا أعتقد أن الوقت قد أتى لتتكيفي وتتواءمي مع وجود هذا الطفل المبارك -بإذن الله تعالى-، الذي بسببه وصبركم تنالون به الجنة، وذلك الفوز العظيم.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات