السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 35 عاما، ولدي أهلي وإخوتي، وزوجتي وأولادي، أحبهم كثيرا، ولدي أصدقاء كثر، وأحبهم أيضا، وعلاقاتي متنوعة في كافة الأعمار، والأوضاع الاجتماعية، ولكن عندي مشكلة كبيرة جدا تؤرقني وتؤلمني وتنغص علي حياتي، وهي: الحساسية المفرطة.
أنا حساس جدا، وأتأثر كثيرا بردة فعل الناس، وخاصة الذين أختلف معهم، وأفعالهم معي وتصرفاتهم ونظراتهم؛ مما يجعلني أرى أدق وأتفه التفاصيل والإيماءات.
ورغم كوني اجتماعيا لدرجة عالية إلا أنني أتلعثم وأرتبك وأحس برعشة في جسمي حين مواجهة شخص يكن لي الضغينة، حتى وإن كان تحت إدارتي في العمل، وملاقاتي له ونقاشنا في إطار العمل.
وحين يتطرق النقاش ليأخذ طريقا آخر فيه رفض أمر أو استهجانه -وإن كنت أحسن أسلوب الطلب- أحس بأني محاصر منه، وينتابني إحساس بأني إن تساهلت أصبحت فريسة له، وأنه يتلاعب بأخلاقي ومشاعري، وأجد نفسي مهزوزا، وأحاول أن أتخلص من العداوة بالحوار، أو العتاب، أو إظهار أني أحبه وأقدره، ولكن أحيانا تكون وبالا علي؛ لدرجة أن وتيرة الاستفزاز تزيد مع إحساني وعتابي؛ فيرتفع مؤشر عصبيتي لأندفع ضده بشكل غريب، حتى وإن تطاولت باللفظ أو الإهانة عليه، أو دفعته بيدي.
وبالتالي أكسب عداوة تلازمني فترة عملي، وأحاول التجاهل ولكن لا أستطيع؛ فيكون ملازما لي في الشعور الاستفزازي، وأجد نفسي محاصرة فكريا به ليل نهار، أفكر فيما فعله، وفيما قاله، وفيما يفعله الآن ويقوله، وأجد أن حياتي أصبحت أسيرة هذا الشخص، وأقرأ كثيرا عن العفو والتسامح والمحبة، وأخلاق الإسلام، وأحاول تجنب الحقد والكراهية، ولكن غالبا لا أضيع فرصة للإصلاح إن أتيحت، وإن لم تتح تتكدر حياتي، وأصبح أسير العداوة بيني وبين ذلك الشخص.
أرجوك ساعدني فهي مشكلة تكررت مع أكثر من شخص، ولجأت أخير للعلاج الذاتي (بالحرية النفسية بطريقة الربت) حتى أتخلص من مشاعري السلبية، ولكن لا أعرف إن كانت ذات جدوى أم لا.
هل هناك حل يجعلني لا أفكر بهذا الشكل، ولا أصبح أسير هذه الأفكار دون الحاجة لتقديم تنازلات جديدة لإنهاء العداوة، مع العلم أنني في أي لحظة يتراجع فيها الطرف الآخر شبرا أتراجع ذراعا.
هذه الأحداث تؤثر على حياتي الشخصية، وأحس بالتقصير تجاه زوجتي وأبنائي؛ لأن بالي دائما مشغول بالهدف الذي يطاردني ويؤلمني.
رزقك الله العافية والأجر على ما تقدمه لنا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على الكتابة إلينا في هذا الموقع بهذا السؤال.
يبدو لي أن المشكلة ليست في أنك شديد الحساسية، وليس في أنك تفكر كثيرا فيما جرى، وفيما قال الشخص الذي تختلف معه، فربما كانت الحساسية وكثرة التفكير في هذه الخلافات هي الأمر الطبيعي، إلا أن الخلاف والمشادة التي تحدث بينك وبين بعض الموظفين والزملاء هي الأمر غير الطبيعي، والتي تحتاج للتغيير والضبط.
الخشية أن تحسب أن الموضوع هو شدة الحساسية، وتحاول التخفيف من هذه الحساسية، بينما في الواقع ليست هي لب المشكلة!
السؤال: لماذا يا ترى تحصل بينك وبين أحد الموظفين مثل هذه المشادة والخلاف، والذي يصل للعصبية، وتطاول الألفاظ، والدفع باليد؟
لماذا يحصل هذا؟ ولماذا يصل إلى هذا الحد؟ ولماذا يتكرر الأمر مع عدد من الناس؟
برأيي أن المشكلة لها جانبان، وبغض النظر أيهما الأكبر والأكثر تأثيرا.
الأول: ربما أمر إداري يتعلق بشكل العمل وطبيعة إدارة العمل، وبشكل محدد طريقة إدارتك للعمل، بحيث تصل الأمور بينك وبين بعض الموظفين لهذا الحد. وهنا ربما عليك إعادة النظر في طريقة إدارتك للعمل، وفي طريقة تعاملك مع الزملاء والموظفين؛ بحيث لا تجعل الأمور تتدهور بهذا الشكل، فهذا غير مقبول أبدا، وفي أي عمل من الأعمال.
استشر في هذا الموضوع الشخص المسؤول عنك في هذا العمل، أو أي شخص آخر ترتاح إليه، ولديه خبرة إدارية في نوع هذا العمل الذي تعمله.
والأمر الثاني: أنه ربما عندك مشكلة في التعامل مع غضبك؛ مما يجعله يخرج عن الحدود الطبيعية، وإذا تكرر الخلاف والمشادة والتدافع بينك وبين عدد من الزملاء؛ فربما هذه مؤشرات لمثل هذه المشكلة في التعامل مع غضبك، ومما يؤكد وجود مشكلة التكيف مع غضبك، هو أن يكون قد تكررت ملاحظات عدد من الناس الذين ربما أشاروا عليك بأن لديك مشكلة مع الغضب.
وإذا رأيت بعد كلامي هذا، وبعد شيء من التفكير في طبيعة هذه الأحداث التي أشرت إليها، بأن المشكلة هي حقيقة مشكلة صعوبة التعامل مع غضبك؛ فمن الواضح أن المطلوب منك ليس تخفيف حساسيتك، وإنما على العكس تماما، المطلوب زيادة حساسيتك كي لا تضطر للوصول في الخلاف مع الآخرين لهذا الشكل، وربما يعينك على هذا التفكير في أثر سلوكك على الآخرين، وبعض الحساسية لمشاعرهم، ولمشاعرك أيضا.
فكر فيما ورد هنا، وحاول التعرف على حقيقة المشكلة التي تعاني منها، وبالتالي سيحسن هذا من إمكانية حل هذه المشكلات.
وفقك الله، وكتب لك الخير والفلاح.