السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفيدوني أثابكم الله، أنا عمري 21 سنة، والفتاة الوحيدة في منزلي، وأعاني من عصبية زائدة لم أعاني منها من قبل، بل كنت أضبط أعصابي، والآن أصبحت أية جملة تستفزني، حتى الأطفال تغيرت معاملتي معهم، علما بأنني أسكن في شقة مجاورة لشقة بنات عمي، ولديهم أطفال، وكنت حنونة معهم جدا، الآن لا أستطيع أن أضبط أعصابي، والسبب عدم طاعتهم وشقاوتهم، أصبحت أغضب عليهم عند زيارتهم لنا، لدرجة أصبح الأطفال يكرهونني بسبب عصبيتي معهم، كذلك فإن والدي وأخوتي قد لاحظوا التغير الذي طرأ علي من العصبية الشديدة.
أنا من النوع الهادىء، وأحب الأطفال، الآن أصبحت العكس تماما، أرجو منكم الحل، أثابكم الله، علما بأنني لا أعاني من ضغوط نفسية أو مشاكل كثيرة في الحياة اليومية، صحيح أن هناك بعض المشاكل بين الأهل، وأسمعها من والدتي حين تشتكي لي، لدرجة أترجاها أن لا تشتكي لي، وليس لي حيلة غير الاستماع لها، وفي نفس الوقت أعصابي تثور وأغضب.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على التواصل معنا بهذا السؤال.
في كثير من الأحيان يكون الغضب وتكون العصبية عبارة عن عرض للمشكلة، وليس المشكلة بحد ذاتها. فليس غريبا عندما يكبت الإنسان مشاعره مرة بعد مرة، أن يأتيه وقت وينفجر فيه، ولو أمام أمر بسيط، أو أمام شخص ليس له علاقة بسبب هذا الانفجار، إلا أنها تراكم هذه العواطف.
فهناك دور كبير للعواطف في إخبارنا عن حالتنا النفسية، وهي دقيقة وعلينا الاستماع إليها، وحتى عندما تهمس همسا في أذننا، وعلينا أن لا ننتظر حتى تصرخ هذه العواطف في وجوهنا، وتريد أن تخبرنا بأمر ما.
وهذا طبعا من طبيعة العواطف، أنها متراكمة، وقد تختفي لبعض الوقت إلا أنها تبقى قابعة تحت السطح، حتى تأتي لحظة غير متوقعة فيفرغها الإنسان بشكل أو بآخر.
وكما أشرت في سؤالك، فأنت تكبتين ربما مشاعرك مع والدتك، وخاصة عندما تشتكي لك عن بعض الأمور، وربما من بعدها تجدين نفسك تفرغين بعض هذه المشاعر مع الأطفال الذين كنت تحبينهم، إلا أنك تجدين الآن صعوبة في تقبلهم، مما يؤنب ضميرك لأنك في الواقع تتمنين لو تستطيعين تحملهم كما كنت في الماضي.
طبعا الكثير من هذه الحساسية ستخف من خلال الزمن، فأنت ما زلت في 21 من العمر، وتجارب الحياة ستعلمك كيف تتحملين ما يمكن أن تسمعيه أو ترينه من الآخرين، وبحيث لا يؤثر عليك هذا التأثير الشديد، فصبرا على نفسك.
وأحيانا قد يكون الغضب بسبب تجارب مؤلمة في طفولة الإنسان، فإذا كنت مررت بتجارب كثيرة مؤلمة في طفولتك، وتريدين أن تتخلي عن بعض آثارها ونتائجها، فربما يعينك كثيرا أن تجدي شخصا مناسبا، كصديقة وفية، أو أخصائية نفسية، تتحدثين لها وتفضفضين عن بعض ما مر معك، ولعل هذا يخفف من الضغط الكثير الذي في داخلك، والذي يظهر بين الحين والآخر بشكل العصبية والغضب.
فما الحل؟ أن تقومي بالتفريغ التدريجي عما في نفسك من العواطف والمشاعر، وأولا بأول، كما يقولون، وعدم جعل الأمور تتراكم كزجاجة المياه الغازية، ومن ثم الانفجار، ويمكن التفريغ عن مشاعرك، عن طريق التعبير عن نفسك عندما تكونين في حالة عاطفية معينة، فعند الانزعاج قولي أنك تشعرين بالانزعاج بسبب كذا وكذا، ونفس الشيء عند الفرح.
وكما نعلم فإن هناك طرقا غير صحية، وهناك طرق صحية لتفريغ العواطف، فمثال الطرق الصحية: الحديث المباشر بما يعتلج في نفوسنا، وأمام الشخص المعني، ولكن بطريقة مقبولة، أو من خلال القيام ببعض الأعمال المفيدة كالصلاة وتلاوة القرآن والرياضة والمشي والرسم.
ومن الطرق غير الصحية، كالغضب الشديد والانفجار، أو تناول الأدوية المهدئة والمسكنة أو التدخين، أو كل ما يحاول الشخص القيام به ليخفف من ضغوط الحياة وتوتراتها، إلا أنه يعود عليه أو على الآخرين بالضرر.
والإنسان أمامه الاختيار بين الطريقتين، وأحيانا عندما نهمل أنفسنا، فقد نجد أنفسنا نساق وراء الطرق السلبية للتعبير عن عواطفنا، فنشعر بالندم والحزن.
يمكن للإنسان أن ينزعج من أمر ما، إلا أن بإمكانه أن يغير نظرته لهذا الأمر، مما يساعده على تغيير موقفه منه، وبالتالي يشعر بأنه أخذ يتقبل هذا الأمر بشكل أفضل.
وفقك الله، وكتب لك راحة البال.