السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الجميل.
مشكلتي هي: خوفي من النهي عن المنكر داخل جامعتي في مجال الاختبارات، أو غيرها من المنكرات، سواء كان بداخل الجامعة أو خارجها.
فأنا خائف من نظرات استغراب الناس الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، فأنا أرى الكثير من المنكرات، ولكني شيطان أخرس، فأنا من سلمت نفسي إلى الهاوية، فقد كنت أذوق لذة القرب من الله، وحلاوة الإيمان التي لا توصف، ولكن بسبب خوفي هذا، أصبحت تدريجيا أبتعد عن الله، وهجرت القرآن، ووقعت في ذنوب عظيمة أخرى، فضعف إيماني حتى كاد أن يزول، وتحولت سعادة الإيمان إلى شقاوة.
وأود منكم أن ترشدوني إلى كتاب جميل لأحد العلماء، يتكلم عن الغربة في الدين، ويحبب المرء بها ويرفع معنوياته رغم استغراب الناس، ويتكلم عن حال المؤمن مع الناس.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك ابننا الفاضل، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على كل أمر يرضيه، وقد أسعدتنا هذه الروح التي ذكرتنا بمعاني جميلة، فإن الإنسان الذي يحرص أن يدعو الآخرين ويتألم لوجود المنكرات، هذا على خير كثير، فنسأل الله لك الثبات والسداد، ونسأل الله أن يعيننا وإياك على إبلاغ هذا الدين، وعلى مطاردة الرذيلة، ونشر الفضيلة.
وصدق النبي - عليه الصلاة والسلام -: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وزاد في راوية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
وقد أحسنت، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الفريضة الغائبة، التي ما ضاعت الأمة، ولا انحدرت، إلا يوم تصالحت مع المنكرات، ونحن جميعا في سفينة، اختار بعضهم أعلاها، واختار بعضهم أسفلها، كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، (فكان الذين في أسفلها، إذا استقوا الماء, مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم، وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا، وإن أخذوا بأيديهم نجوا ونجوا جميعا).
فلا نجاة للمجتمع، إلا بالأخذ على أيدي العصاة، وردهم إلى الله - تبارك وتعالى -، والصلاح وحده لا يكفي، حتى تكون الأمة من بعد الصلاح مصلحة، قال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون}.
لذلك نتمنى أن تنمي هذه الروح في نفسك، وتحاول أن تعرض هذه الأفكار أولا على الصالحين من إخوانك، وتجتهد في تغيير المنكر بحسب الطاقة، فإن الإنسان إذا أدى ما عليه فإنه قد رفع عن نفسه الحرج، وحتى لو لم يستجيب الآخر فإن دورنا هو البلاغ، معذرة إلى الله، ولعلهم يتقون، ولعلهم يهتدون.
نشكر لك فعلا هذه المشاعر النبيلة، وهذه الاستشارة التي ذكرتنا بهذه الفريضة الغائبة، ونتمنى أن تصبح جنديا من أجل إحياء فقه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإذا أدينا هذه الفريضة بضوابطها، بالحكمة، بالموعظة الحسنة، بالجدال المقبول، الذي هو بالحق، بالنصح للناس، بإظهار الشفقة عليهم، فإن البركة تنزل، والخيرات تنزل، بإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الفريضة التي لا قوام للدين إلا بها، ولا نجاة لأهل الدين أيضا إلا إذا أدوا هذا الواجب.
نسأل الله أن يعيننا وإياك على القيام بهذه الفريضة، التي هي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونتمنى أيضا أن تجتهد في إبعاد نفسك عن المعاصي، وبيئتها، ورفقتها؛ لأن الإنسان فعلا ببعده عن المعاصي، يصبح مؤهلا أكثر، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان وجود المعصية عند الإنسان ليس عذرا له في التوقف عن الأمر بالمعروف، في الأمور التي يحسنها ويتقي الله فيها.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.