السؤال
السلام عليكم..
ماذا عساي أن أقول أو أتكلم عن نفسي؟ فقد ولدت كطفلة عادية, وعشت سني الأولى سعيدة, ولم يمر وقت طويل حتى عرفت حقيقة من أنا, وما هويتي, شعرت بالسعادة عندما عرفت بأني مريض ترانسجندر (اضطراب الهوية الجنسية) وأن كل ما كنت أمر به ليس مجرد هوس أو سحر, أو وسواس مع مرور الوقت.
كل ما أراه هو انعزاليتي عن الناس؛ لأني أكرههم, لأنهم ينادوني بضمائر المؤنث, وازدادت كآبتي حتى لم أطق التحدث مع أحد.
أخبرت والدتي عن الأمر, فلم أجد منها سوى أن نهرتني, وقالت لي كلاما جارحا, لا زال يؤلمني عندما أتذكره، وعندما قلت لأبي لم أجد منه سوى السخرية, وكأنه شيء اعتيادي أمر به في فترة المراهقة, ولم أجد منهما تقبلا, فأصبحت أدفن نفسي بيدي.
كل مرة أرى نفسي أزداد شفقة عليها, لم يكن هناك أحد بجواري ليساندني, أو ليسمع شكواي, أو ليواسيني.
أصبح والداي متهجمين علي بشأن هذا الأمر, فمنعاني من قص شعري, أو ارتداء ما يرتديه الفتيان, أصبحت أكرههم, وأنا أعلم أنه شيء محرم, ولا يطاق, لكني تعبت.
ويعلم الله مدى حزني وارتجائي له, فلم أعد أحتمل سوى التفكير بالهروب من المنزل.
فهل يمكنكم مساعدتي, فأنتم أملي الوحيد بعد الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وميض حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على التواصل معنا، والكتابة إلينا بما في نفسك، أعانك الله.
سأشرح هنا أمرا مهما، وهو أن هناك فرق بين "الجنس" الذي يولد عليه الإنسان، حيث ولدت أنت أنثى، وبين ما نسميه "الجندر" أي ما يعتقد الإنسان ويشعره عن نفسه فيما إذا كان ذكرا أو أنثى، وأنت هنا تشعرين عن نفسك بأنك ذكر، والعادة في الحالات الطبيعية أن يكون الجنس والجندر متفقين، وفي حالات نادرة جدا، وأنت منها، قد يختلف الأمر فيكون الإنسان من جنس أو نوع معين، إلا أن شعوره أنه من الجنس الآخر، وكما هو الحال عندك، فأنت بنت إلا أنك تشعرين بأنك صبي، وهذا ما نسميه اضطراب الهوية الجنسية.
ومن أعراض اضطراب هوية الجندر هذا عند الفتاة، مثلك:
- سلوك غير متوافق مع العرف الاجتماعي من هذا جنس أوجندر البنات، والميل لما يفضله الصبيان كالألعاب والملابس.
- عدم الراحة، بل كره شكل جسدها ومظاهرها الأنثوية كالثديين وغيرها.
- عدم الارتياح للتبدلات المرافقة للبلوغ وخاصة دورة الطمث.
- عدم الارتياح أو النفور والرفض للدور الاجتماعي المتعلق بالإناث، وحتى أن تنادى باسم فتاة.
- من الطبيعي أن لا تستطيع الفتاة الصغيرة التعبير عن رغبتها بأن تكون من الجنس الآخر.
ولكن معظم الفتيات ينمون ويتجاوزن هذه المرحلة، والقليل جدا منهن يستمر عندهن هذا الاضطراب لما بعد الطفولة، ويمكن عند الذين تستمر عندها هذه الحالة أن نصف لها هرمونا لتأخير البلوغ، حتى تتاح لنا فرصة تعديل هذا الحال.
ولنا أن نتصور كم تحتاج هذه الفتاة للدعم الكثير، وكما حدث معك من صعوبة تقبل والديك للأمر، ولا يخفى عليك صعوبة هذا الأمر لهما، فلا شك أنهما يحبانك، إلا أنهما قد يعرفان كيف يتصرفون معك أمام هذا الموقف.
ولأسباب متعددة تتعلق غالبا بالتربية وظروف الحياة، قد يصبح عند الفتاة هذا النوع من أنواع اضطرابات الهوية الجنسية، ومن العوامل المسببة أو المهيئة لمثل هذه السلوكيات غير المنسجمة مع جنس الطفل:
- النقد الحاصل أو الذي تظنه وتشعر به الفتاة ومنذ سن مبكرة.
- النقد الاجتماعي للبنت التي عندها بعض صفات الصبيان، مما يؤثر سلبيا على نموها النفسي والاجتماعي.
- ونحن ننصح عادة الآباء بملاحظة هذه السلوكيات غير المتناسبة مع جنس الفتاة، وفي سن مبكرة، وتشجيع الأنشطة المناسبة لجنسها لتعزيز هويتها، فهذه الأنشطة ضرورية للنمو النفسي والاجتماعي والجنسي.
والفتاة التي تعاني من مثل هذه الحالة بحاجة للرعاية الخاصة، وقد تحتاج للعرض على أصحاب الاختصاص لطلب المزيد من الرعاية والعلاج، سواء طبيب الأطفال والنمو، أو الطبيب النفسي, أو كليهما معا لنقاش الحالة.
السؤال، هل من سبيل لتغيير هذا الحال؟
الجواب نعم، إلا أنه يحتاج للعرض على طبيب نفسي خبير في هذه الأمور من اضطرابات الهوية الجنسية، وكما تتوقعين ليس هذا بالأمر السهل، ولتسهيل الأمر يمكنك مبدئيا الحديث مع طبيبة الأسرة, وهي يمكن أن تنصح بما يمكن القيام به.
طبعا أمر التغيير والعدول عن هذا الميل وهذه الرغبة ممكن, وإن لم يكن بالأمر السهل، وقد فعله كثيرون غيرك عندما نجحوا في هذا التغيير، وإن لم يكن مئة بالمئة، إلا أنه يكفي لتعيش الفتاة حياة قريبة جدا من الحياة الطبيعي.
أنصحك بمراجعة أخصائية نفسية، وأن تكون أخصائية نفسية مسلمة ملتزمة، وإلا فالأخصائي النفسي غير المسلم أو غير الملتزم، قد يقول لك بما معناه، أن هذا ليس بيدك وأنه يستحيل عليك التغيير، وما عليك إلا أن تعيشي كما أنت!! بينما الأخصائي النفسي المسلم الملتزم وصاحب الخبرة في الاضطرابات الجنسية؛ سيسعى لمساعدك وإصلاح هذا الحال، ولا بأس أن تعرضي جوابي هذا إن أحببت على والديك من باب التثقيف والتوعية.
أرجو أن يكون في هذا ما يعينك، وحفظك الله من كل سوء.