أعاني أعراضاً نفسية واجتماعية بسبب طريقة تربية والداي لي!

0 36

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أتمنى لموقع إسلام ويب النجاح، وللساهرين عليه خير الجزاء، وأتمنى أن أجد مساعدة نفسية عندكم، لأني ليست لدي القدرة المادية للذهاب إلى طبيب نفسي.

أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة، نشأت في أسرة فقيرة جدا وغير متعلمة، عشت في جو نفسي مضطرب عنوانه الإحساس بالخوف، والطيبة المبالغ فيها، ونظرا لأن أبي وأمي ليسا ذوي شخصية قوية، فهما غير قادرين على التعامل بشكل طبيعي مع مواقف الحياة، ومن شدة خوفهم علي عندما يضربني شخص لا يقوما بالانتصار لي، بل يحملونني المسؤولية فأشعر بالظلم.

مع مرور السنوات بدأت تظهر أعراض نفسية نتيجة تراكمات للأزمات النفسية والمالية والاجتماعية والدراسية، وإليكم أهم تسعة أعراض أعاني منها:

1- أعاني من التعب والكسل الدائم، وحصول رعشة في اليدين عند حمل شيء ثقيل، أو الاعتماد عليهما، أو عند الإحساس بالتوتر.

2- أحس بالرهاب الاجتماعي، والخوف يسري في جسدي، والاكتئاب والقلق الدائم.

3- أشعر بضعف التركيز واستيعاب الدروس بشكل غير طبيعي، فأعيد المذاكرة عدة مرات حتى أفهم، وإذا فهمت أنسى سريعا.

4- عدم فهمي للحياة بشكل جيد يجعلني لا أدري ماذا أفعل، وكيف أبادر إلى عمل ما.

5- عدم معرفة كيفية حسن التصرف مع الناس في مواقف الحياة؛ نتيجة غياب المهارات عند الأسرة، فلم أتعلم منهم شيئا غير الخوف وحب التملق للأقوى!

6- أشعر بتبلد في الأحاسيس مع المواقف المحزنة، فلا أحس بالحزن، وفي المواقف المفرحة لا أحس بالفرح، يعني لا أحس بأحاسيس طبيعية موافقة للمواقف، محزنة كانت أو مفرحة!

7- كثرة التفكير العميق وتحليل مواقف الحياة كأني فيلسوف، فأصبح في حالة من الشرود والسهو الطويل في الخيال، ثم أحس أن عقلي مقفل كليا عن استقبال المعلومات، وأجد نفسي غبيا، وصعوبة القيام بالعمليات الحسابية، إلا بالعد على الأصابع حتى أعرف نتيجة العملية الحسابية البسيطة.

8- إدمان العادة السيئة والانترنت أدخلني في حالة انطواء وحب للعزلة، وإحساس بالضيق أثناء تواجدي مع الناس.

9- الإحساس دائما بالاندفاع والتسرع، والرغبة الشديدة في إنجاز الأمور دون تفكير، والاستسلام السريع للشهوات.

هذه الأعراض كلها مشتركة مع إخواني الثلاثة، فهم مثلي؛ لأننا نتيجة تربية الوالدين غير الموفقة.

أيضا أود إضافة مشكلة أخرى مهمة، وهي: عندما أتكلم في الهاتف مع شخص ما أشعر بتوتر في جسمي، وأنسى واقعي تماما إلى درجة أني إذا كنت أتكلم يمكن أن أضع يدي على النار من شدة غيابي عن الواقع والتركيز، وهذا يقلقني ويجعلني أقوم بأمور لا أنتبه إليها، وأنسى نفسي مع أي حوار.

أتمنى ألا أكون قد أكثرت عليكم، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأعراض التسعة التي ذكرتها فيها ثمانية أعراض تشير إلى أنك تعاني من عسر في مزاجك، مع شيء من ضعف الكفاءة النفسية. والعرض الثامن فقط يدل على أنك دفعت نفسك نحو سلوكيات سلبية جدا تزيد مشكلتك تعقيدا، ولا تساهم أبدا في حلها، ويجب الحذر في موضوع العادة السيئة، ولست في حاجة إلى أن أتحدث في هذا الموضوع فعيوبه ومشاكله معروفة.

وأما إدمان الإنترنت؛ فهو من الأمور الخطيرة جدا التي تؤدي إلى تفتت شخصية الإنسان، بل تجعل بعض من يدمن اللعب - والسهر على البلايستيشن وغيره - انعزاليا منكبا على نفسه، حبيس نفسه، منزويا عن الآخرين، هروبا من واقع حياته، غير واقعي، لا ينفع نفسه، ولا ينفع غيره، ولا يفيد؛ لذلك لا تركن إلى الكسل، ولا تمل إلى الراحة والخمول، ولا تضيع وقتك وحياتك في عبث ولهو، ولا تشغل نفسك بشيء في ما لا فائدة منه، وكن وسطيا متوازنا في كل ما تقوم به.

أنت تلقي اللوم على والديك في طريقة التربية الخاطئة عليك وعلى إخوانك الثلاثة، وحتى إن كانت هناك حقائق حول هذا الموضوع، لكن لا أريدك أن تلقي بثقلك كله حوله، أو أن تلقي اللوم على التربية وهذا السبب أو ذلك، قطعا لا! والداك سعيا بكل ما استطاعا في تربيتكم على أفضل ما يرون من تربية، وهذا لأمر بسيط، وهو أن الحب الأبوي لأبنائهم حب جبلي وغريزي وثابت، وحب الأبناء لأبنائهم وأمهاتهم ليس حبا غريزيا، إنما هو حب يكتسب، لذلك أمر الله تعالى ببر الوالدين والإحسان إليهما، وأمر الوالدين بالعدل بين الأبناء، وقال: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} [الإسراء: 25].

لذلك يخطئ الكثير من الآباء حين لا يعبرون عن هذا الحب إلا بالشدة، وربما تكون منهجيتهم أحيانا فيها المخاشنة، والتي قد يفهمها الأبناء فهما خاطئا، ويؤدي هذا قطعا إلى الشعور السلبي من الأبناء نحو آبائهم، كما هو ظاهر من سؤالك نحو والديك في استشارتك، وهذا هو الذي حدث لك أنت وإخوانك.

أرجع وأذكر - أخي الكريم - أنه إن كانت هناك أخطاء تربوية انتهجها والداك إلا أنه ليس من الحكمة نسيان حبهما لكم؛ لأن حبهما حب فطري وجبلي وغريزي، ينبغي أن يقابل بالحب والبر والإحسان، وكل والد يحب أن يكون أبناؤه أفضل منه، ويدعو لهم بالتوفيق والنجاح، ويدعو لهم أن يكونوا خيرا منه، ومهما حصل ما كان منهم من تربية فلأنهم - كما ذكرت - تعليمهم - وربما التربية والتنشئة - كانت خاطئة.

أنت الآن في مرحلة الإدراك والاستبصار التام - أخي الكريم - وعمرك عمر فيه الطاقات والاكتساب، ومن تلك الطاقات: الطاقات النفسية والجسدية والفكرية، فأرجو ألا تأس على ما فات وأدرك ما يمكنك إدراكه، واغتنم حياتك، ووقتك قبل شغلك، وصحتك قبل مرضك، وشبابك قبل هرمك، ولا تعتقد أنه قد فاتك الكثير، لكن ابدأ الآن وعش حياتك بقوة ومستقبلك بأمل ورجاء.

ضع لحياتك أهدافا آنية وأهدافا مستقبلية، ودعم ذلك بخطط تحقق لك أهدافك، ولا تساوم نفسك في تحقيق أهدافك، ولا تضيع وقتك وحياتك مع العادة السيئة والإنترنت، واجعل لحياتك قيمة حقيقية، وأنت تستطيع ذلك من خلال كسب الكثير من المعارف والمهارات، وتخرج مما أنت فيه من عسر المزاج.

هناك أمور مهمة ومعروفة جدا، وهي:
- أحسن إلى والديك وكن بارا بهما.
- أحسن تنظيم وقتك.
- أحسن في اختيار الرفقة والصحبة الطيبة.
- التزم تقوى الله تعالى في جميع أمورك، فإن من يتقي الله يجعل أموره وحياته طيبة، فاحفظ الله يحفظك، واحفظ الله تجده تجاهك، وتعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة.
- كن حريصا على ما ينفعك في دينك أو دنياك، واستعن بالله ولا تعجز.

هذه الأمور تمثل دفعا نفسيا إيجابيا.

ولا تعمم أخي الكريم وسط إخوانك فكرة أن ما حدث لهم هو نتيجة للتربية الخاطئة من الوالدين، ونحن مع احترامنا الشديد لا نتفق معك كثيرا في هذا الأمر، وهذا فيه مبالغة كبيرة، فإن الإنسان يمكنه أن يغير من نفسه، ولولا ذلك لصدق من قال: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} أو {مهتدون}، ولكن قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، ولا تقل لو كان كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان.

أما بالنسبة للعلاج فأرى أنه لا مانع من أن تتناول أحد الأدوية المحسنة للمزاج لفترة محدودة، وعقار (فلوكستين Fluoxetine) الذي يعرف باسم (بروزاك Prozac) أراه جيدا ومناسبا، فتناول كبسولة واحدة في اليوم لمدة أربعة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات