لا بد من اكتشاف ذواتنا قبل اكتشاف وجوهنا

0 473

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا على جهودكم، وشكرا جزيلا لكم.

معاناتي مع قصر قامتي الذي عذبني وكرهني في المشي أمام الناس، فتعذب قلبي نظرات الشفقة، ولا أطيق قصر قامتي، فأصبح من حولي يسخرون مني، ويشمتون بي، وأول الشامتين هو: والدي.

كذلك قبح وجهي يعذبني نفسيا، وجعل من حياتي جحيما، منذ أربع سنوات وإلى الآن، لا أطيق أن أرى وجهي في المرآة، بل وأحاول أن أتجنب أي مكان فيه مرآة أو انعكاس، كإبريق الشاي، لكنني في هذه الفترة، أصبحت أجبر نفسي وبصعوبة، على الوقوف أمام المرآة، كي أوضب نفسي، وأخرس الأفواه الشامتة بسوء مظهري، لا أنفك أقضي يوما واحدا من دون البكاء على مدى قبحي، ولا أستطيع أن أرضى بنصيبي، فالرضا شعور لاإرادي، لا أدري ما العمل؟

ذهبت إلى عدة عيادات نفسية بلا جدوى إطلاقا، والمنومات لم تجد معي نفعا، بل بعضها زاد من أرقي وتعبي، حزن دائم لا متناه، بكاء دائم و مستمر، بسبب وبدون سبب، بقع لونها بني غامق في الجسم، إهمال في المظهر، ضعف في التركيز، ضعف الحفظ، ضعف وخوار عام في البدن، نسيان للأشياء المهمة، كالنقود، والأوراق، والأرقام السرية.

والأشياء التي تقهرني -كاللحظات السيئة- لا أنساها، بل دائما على بالي، أشعر بالإجهاد الدائم وأنا لم أقم بعمل شيء، قروح تظهر وتختفي، شعري يتساقط بشكل مرعب، ولدي شبه صلع في مقدمة رأسي شوهني، أحيانا أعاني من كسل في الصلاة، وأفتقر للخشوع دائما، وأعاني من كثرة التنهد في الصلاة والشرود، وأشعر بالاختناق، وأحيانا يصعب علي ملازمة ذكر الله كالاستغفار، والتسبيح، أشعر أن لساني ثقيل، وأشعر بعجز، ثقل في مؤخرة الرأس، ثقل على الكتفين، كثرة التنهد والتأوه،احتقار للذات، أعيش في دائرة يأس وإحباط دائم.

أشعر دائما بعدم الثقة في النفس، حرارة في العينين، سرعة في الغضب والانفعال، خفقان دائم في القلب، صداع مزمن منذ وقت طويل لم يزل، ضعف في الشهية، لم أضحك منذ زمن طويل، حرب نفسية، صراعات داخلية، نظرة سوداوية للحياة، الموت أقصى ما أتمنى، عشق خاطئ يكبر بكل لحظة، انفعالات شديدة وغضب غير طبيعي، لا أستطيع بذل أدنى مجهود، نفور من المجتمع، والأهل، والأقرباء، وأكن لهم العداوة؛ لأنهم تسببوا في أذيتي في أحيان كثيرة، شرود ذهني، عصبية المزاج ، مررت بظروف قاهرة.

أقسى الظروف قاسيتها، وتحملت أعظم الكروب التي لا يتحملها الجبل العظيم، مما جعل قواي خارت، وأعصابي تلفت، ولم يعد بوسع أعصابي الآن تحمل شيء، ولا بوسعي تحمل أدنى شيء، خمول، إنهاك، إرهاق دائم، اضطرابات نفسية، وفي أحيان كثيرة حياتي لم تكن شيئا، سوى سلسلة من الندم.

أعاني من الندم بعد حسم القرارات المصيرية، والتراجع عن القرارات بعد تنفيذها، يحرق قلبي الندم والحسرة بعدما أتراجع عن قرار تم تنفيذه ولا يسمح لي بالرجوع عنه، وأقضي غالب وقتي نادمة محزونة على قرار اتخذته وتم تنفيذه، رغم أنني حين أتخذ القرارات أراها صائبة ومنطقية، ويجب علي اتخاذها في أقرب وقت ممكن، كي أتجنب أخطارا فادحة، وهي بالفعل صائبة، ولكنني بعدما أتخذها، أبكي ندما، وأعيش حالة كآبة، تمتد لزمن طويل، وهذا الشيء يعذبني، ظروفي تدفعني لاتخاذ قرار سيء، لأنه هو المنطقي، وبالتالي أتضرر من هذا القرار، أشعر بالحنين المهلك لأشياء تركتها عن قناعة، وأرغب رغبة ملحة بالرجوع إليها، لكن الظروف لا تسمح لي بالرجوع، يتقطع قلبي حسرات عليها، كأنني أعاقب نفسي باتخاذ هذه القرارات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يجب أن لا تتضجري، ولا تتعذبي من قصر قامتك، الإنسان لا يحكم عليه من خلال طوله، أو قصر قامته، الإنسان يحكم عليه من خلال أفعاله، وسلوكه، ونفعه لنفسه ولغيره، وإنجازاته في الحياة.

حالة الضجر، والكدر، والقلق، وعسر المزاج التي تأتيك؛ هذه ناتجة من شعورك بوصمة حول قامتك، أعتقد أن مفاهيمك خاطئة تماما، وقصر القامة ليس بعيب أبدا، ومع بعد المقارنة، هنالك من الكثير والكثير جدا من فضليات النساء قصيرات القامة، حتى يقال أن أمنا حفصة - رضي الله عنها وأرضاه - كانت قصيرة القامة.

أيتها الفاضلة الكريمة: أخرجي نفسك من هذا الدهليز السلبي، من الفكر غير النافع، تسامي، ارتقي بنفسك، من خلال أعمالك الإيجابية، وأفعالك الراقية، تزودي بالمعرفة، كوني إنسانة فعالة في أسرتك، احرصي على أمور دينك، رتبي وقتك، انضمي لمراكز تحفيظ القرآن، حيث الصحبة الطيبة الآمنة، ولن يعيرك هنالك أحد بقصر قامتك، انخرطي في أي عمل اجتماعي نافع، هذا هو الذي يجب أن تقومي به، إذا كانت قامتك قصيرة، فسمو نفسك يجب أن يكون عاليا، ونفعك لنفسك ولغيرك يجب أن يكون عاليا، ليس هنالك ما يدعوك للشعور بالدونية على هذا المستوى، ابني لنفسك مجتمعا جديدا تتحكمين أنت فيه، بدل أن يتحكم بك، وهذا يعتمد على بناء صداقات جديدة، لا تكترث للمظاهر التي تقتل الإنسان، وتحطم موهبته، وتجعله مهتما فقط بالشكليات.

استبدال هذا الفكر السلبي مطلوب، وهو الوسيلة العلاجية التي يجب أن تعتمدي عليها، لا تكوني حساسة لهذه الدرجة، ويجب أن لا تتخذي قصر قامتك عذرا، لأن تكوني محبطة، وأن لا تطوري ذاتك، وأن لا تبنيها، على العكس تماما، يجب أن يكون حافزا -أي قصر القامة- بالنسبة لك، من أجل المزيد من الدفع الإيجابي.

أنا لا أرى أنك في حاجة حقيقية لتناول أحد مضادة الاكتئاب، لكن إن كنت تفتقدين الطموح التام نحو التغير المعرفي الإيجابي، فهنا تناولي عقار بروزاك، والذي يعرف باسم (فلوكستين)، والجرعة هي: كبسولة واحدة في اليوم، لمدة ستة أشهر، والدواء غير إدماني، وغير تعودي، ولا يسبب أي مشاكل هرمونية.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، اسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات