السؤال
السلام عليكم
الدكتور الفاضل/ محمد عبد العليم، أكتب إلى حضرتك وفي داخلي سعادة لا تصفها الكلمات، بسبب تحسن حالتي بفضل الله ثم بفضلك، وأنا الآن في أفضل حالاتي ومهما أقدم لك من شكر وللموقع فإنني لا أوفيكم أبدا.
أخذت الدواء الذي وصفته لي لمدة شهر، ثم لم نجده في الصيدليات، وقد قمت بأخذ عقار داونكس بدلا عنه، وأنا أستخدمه من أربعة أشهر تقريبا، سؤالي: إلى متى أستمر على هذا الدواء؟ لأنني أشعر بتحسن شديد فقد اختفى التوتر والقلق من حياتي، لهذا أنا خائفة لو قمت بتركه أن أرجع لحالتي السابقة، هل هذا الشيء ممكن الحدوث؟
وعندي مشكلة أخرى، هي أني أنفعل كثيرا عندما أتحدث وقد يعلو صوتي دون أن أشعر، ماذا يمكنني أن أفعل تجاه هذا الأمر؟ مع العلم أن والدي يعاني من ذات الحالة، وقد أصبح الآن لا يستطيع أن يمسك أعصابه أثناء التحدث فهو يثور حتى عندما نأخذ رأيه في الأمور العادية، فهو دائما يفقد أسلوبه في الكلام ثم يندم بعد ذلك دون جدوى.
أرجو منك مساعدتي فأنا لا أحب أن أصبح مثله، وكل محاولاتي في التغيير قد بدأت عندما رأيت أن حياته أصبح يملؤها الشك والوساوس، حاولنا مساعدته لكن فشلنا، وهو يرفض زيارة طبيب نفسي ليقوم بعلاجه.
دكتوري الفاضل: أعلم جيدا أني لا أستطيع أن أغير أبي، ولكنني ربما أكون قادرة على تغيير نفسي، فلا أريد في المستقبل أن يعاني أولادي الأمرين معي بسبب عصبيتي وشكوكي، وعدم قدرتي في السيطرة على نفسي حتى لأتفه الأمور.
أرجو منك المساعدة، ودمتم في رعاية الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ اشل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وعلى ثقتك في شخصي الضعيف، وقطعا أنا سعيد أن أسمع هذه الأخبار الطيبة، وهي أن حالتك قد تحسنت بصورة ملحوظة، فأسأل الله تعالى لك ولنا ولجميع المسلمين العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة، وأن يجعلنا الله تعالى من الشاكرين على نعمة العافية.
أيتها الفاضلة الكريمة، هذا التحسن الذي طرأ على حالتك في حد ذاته يجب أن يكون هو الدافع الجوهري للمزيد من التحسن، هذه هي النقطة الأساسية من حيث طريقة التفكير السلوكي الإيجابي.
والنقطة الثانية: استمري على الدواء لمدة أربعة أشهر أخرى، ولا بأس في ذلك أبدا، فهو دواء بسيط وسليم.
سرعة الإثارة التي تعانين منها وعلو الصوت في بعض الأحيان، هذا – أيتها الفاضلة الكريمة – بشيء من الاستبصار البسيط يمكن للإنسان أن يتخلص منها، فتصوري وتفكري لو أن أحدا علا صوته حين يتحدث أمامك، فبالتأكيد هذا سوف يكون مرفوضا منك، فلا تضعي صورة ذهنية حول نفسك سلبية، وقولي لنفسك (كيف أكون مثل ذاك الشخص؟ أنا لن أكون سلبية ومزعجة، يجب أن أكون هادئة، وأكون معبرة عن ذاتي بهدوء وبسكينة وبمودة واحترام للآخرين) هذا مهم جدا.
النقطة الثانية: التفريغ النفسي، لا تتركي الأمور البسيطة تتراكم وتؤدي إلى احتقانات نفسية شديدة، فكما تحتقن الأنف تحتقن النفس، فعبري عن ذاتك أول بأول في الأمور التي لا ترضيك.
النقطة الثالثة ونذكرها دائما، وهي: أن تتبعي ما ورد في السنة المطهرة حول كيفية علاج الغضب، حين يشعر الإنسان بالعلامات الأولى للغضب يجب أن يستغفر، ويغير مكانه، ويغير وضعه، ويتفل ثلاثا على شقه الأيسر، ويستعذ بالله من الشيطان ومن الغضب، ويطفئ نار الغضب بالوضوء، ويا حبذا لو الإنسان صلى ركعتين، وقد أفادني أحد الأخوة الأعزاء الذين يترددون علي في العيادة أنه حين طبق هذا العلاج النبوي لمرة واحدة، بعد ذلك أصبح لا يحتاج له أبدا، إنما في بدايات علامات الغضب يتذكر فقط كيفية إدارة الغضب عن طريق المنهج النبوي، وذلك يؤدي إلى إجهاض تام لثورة الغضب التي أتته. هذا علاج عظيم بسيط، وفيه حقيقة تدريب إيجابي جدا للنفس.
كذلك وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله النصيحة فقال له: (لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب)، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
وتمارين الاسترخاء أيضا نعتبرها مهمة، وفي حالتك يجب أن تطبقيها ثلاث مرات في اليوم، خاصة تمارين التنفس التدرجي، كوني على هذا المنوال، كوني إيجابية في تفكيرك، وهذا يكفي تماما.
بالنسبة لوالدك الكريم، يمكن أن تقدمي له الكثير، تخيري اللحظات التي يكون فيها هادئا وفي مزاج طيب، وتواصلي معه بكل مودة، وقولي له (يا أبي! لماذا لا نذهب إلى الطبيب؟ أنت تعاني من شيء من الإجهاد، ليس من طبعك أن تنفعل على هذه الشاكلة، أنا سمعت أن الأطباء يمكن أن يقدموا مساعدات كثيرة من خلال علاج بسيط جدا) وهكذا. هذا يساعده كثيرا.
وأنا أود أن ألفت نظرك أن من هم في عمر والدك حين لا يستطيعون التحكم في مشاعرهم وتأتيهم العصبية والشكوك، هذا ربما يكون دليلا على وجود اكتئاب نفسي، والاكتئاب النفسي لا يظهر في كثير من الحالات - خاصة بعد عمر الأربعين – في شكل أزمة في المزاج فقط، لا، ليس من الضروري أن تكون هنالك سوداوية وشعور بالكرب والكدر، قد يعبر عنه في شكل انفعالات وشكوك وآلام جسدية، وهكذا. فأعتقد أن حالة والدك يمكن أن تعالج، وأرى أنك – إن شاء الله تعالى – مؤهلة تماما لمساعدته.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.