السؤال
السلام عليكم
أود استشارتكم حول أمر خارج عن سيطرتي، فأنا بعيدة تمام البعد عن أمي وأخواتي، سواء في أحاديثهم العامة أو الخاصة، حاولت جاهدة أن أجلس معهم، وأن أكون على طبيعتي، ولكنني فشلت ولم أستطع، حاولت التحدث معهم ولم أستطع، وشعرت وكأن لساني قد ربط.
أصبحت في العقد الثاني من العمر، ومازالت تلازمني هذه المشكلة منذ صغري، وأحيانا كثيرة تبكي أمي قهرا بسببها؛ لظنها بأنني جافة وبلا مشاعر، وأنني متكبرة، وعلى الرغم من قوة بكاؤها أمامي، وإلحاحها الدائم لي بالبوح والكلام، ولكن دون فائدة، فأظل في صراع داخلي، حتى ينتهي الأمر بنزول دموعي الصامتة.
وأحيانا أخرى تشمئز أمي من هذه التصرفات، فهي تبرحني ضربا بحجة أنني متكبرة، وأنني لا ألقي لها بالا، أو اهتماما، مع العلم أنني من الشخصيات الصامتة أمام انفعالات والدتي، فأنا أثق بصديقاتي أكثر من أمي وأخواتي، وأخبرهن بكل ما يحدث لي.
حاولت جاهدة أن أتخلص من هذه التصرفات الغير مرغوبة، ولكن لا أعلم لماذا ينتابني الخوف الشديد حينما أحاول التحدث مع أمي وأخواتي، ومنذ الصغر حينما أريد الاستئذان من أمي للخروج، أو طلب النقود البسيطة التي لا تتعدى العشرة ريالات، ينتابني الخوف والقلق، وأبدأ بالاستعداد للاستئذان فيما يقارب الربع ساعة، وأنا أمشي ذهابا وإيابا أمام الباب، لا أعلم هل للماضي علاقة بكل ما يحدث لي؟ أم لا؟
لقد كان الماضي مؤلما، فقد كان يختلق الناس قصصا لم أفعلها، وأتلقى عقوبتها دون أن يسمع مني أحدا، وأما أن يظلمني أهل بيتي في أمور لا تخصني، ولم أفعلها، وكانت أمي هي أكثر من ظلمني وضربني ضربا لا زلت أتذكره، سبب ضربها هو الظن بأنني فعلت هذا الأمر أو ذاك، وأحيانا أخرى تنظر بأنني أخطئ بكل شيء وهي على صواب دائما.
في بعض الأحيان إذا كان الضرب مبرحا، تأتي لتعتذر مني وهي تبكي، يؤثر بي بكاؤها في ساعته، وسرعان ما أنسى ذلك، وكذلك مع أختي الكبيرة وبقية أخواتي.
عذرا على إطالتي، ولو سمحتم أن تخبروني ما هي هذه الحالة التي تنتابني؟ وكيف أتقرب من أمي وأخواتي وأجعلهم يكتمون أسراري؟
ولكم مني جزيل الشكر، ومن الله جنة الفردوس خالدين مخلدين - بإذن الله -.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا: هنالك حقائق لابد أن تدركيها إدراكا تاما، أول هذه الحقائق هي: أن حب أمك لك هو حب غريزي وفطري، وهي ليس أمامها أي اختيار غير أن تحبك، لكن حب الأبناء والبنات لآبائهم وأمهاتهم ليس غريزيا ولا فطريا، إنما هو قائم على تبادل الوجدان والعواطف.
القرآن الكريم وردت فيه آيات كثيرة جدا توصي الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، ولم ترد آيات كثيرة في القرآن، توصي الآباء بأبنائهم غير آية واحدة وهي: آية الميراث، في سورة النساء، قال تعالى:{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}، وهذا دليل قاطع أن حب الآباء لأبنائهم وبناتهم هو حب فطري.
فيا أيتها الفاضلة الكريمة، لا تتشككي أبدا في أن أمك تحبك، لكن ربما يكون منهجها في التربية فيه شيء مما لا يرضيك، الذي قصدته أن تجعلك فتاة قوية ذات شخصية، لها خصالها الحميدة، هذا هو الذي قصدته والدتك، فتفهمك لهذا الواقع الفطري والطبيعي، أعتقد أنه سوف يساعدك في أن تتقربي أكثر نحو والدتك.
أما موضوع أن تفضي بالأسرار هنا وهناك، ليس من الضروري أن يكون هنالك بوحا للأسرار من الأصل، إنما يكون هنالك نوع من التواصل الاجتماعي الوجداني، هذا هو المفروض، وأنا أريدك أن تهتمي بشؤون والدتك، على سبيل المثال: تحدثي معها في شؤون المنزل، علاقاتها بصديقاتها، اقترحي عليها أن تتدارسي معها القرآن مرة أو مرتين في الأسبوع سويا، هذه أمور تبني علاقات وجدانية رصينة، ومن خلال هذه الممارسات البسيطة، والبسيطة جدا، تكوني قد كسرت حاجزا كبيرا، واعرفي أن من حق أمك عليك أن تكوني بارة بها، والبر هو أمر وجداني، أي أن ينتقل الإنسان بمشاعره ووجدانية بكلياته نحو والديه، ويكون مكبلا في طاعتهما وحبهما.
أرجو أن ترسخي هذه المبادئ، وهذا سوف يساعدك كثيرا، واسألي والدتك من وقت لآخر حول أي أمور خاصة بك، خذي بنصحها، وخذي بإرشادها، وخذي بتوجيهها، هذا سوف يبني علاقة طيبة بينك وبين والدتك.
إذا الأمر في غاية البساطة، والأمور في هذه الحالة تحل بالتدريج، ولا نفضل التصاعد السريع في بناء العلاقات الإنسانية.
بصفة عامة حاولي تطوير ذاتك، من خلال اجتهادك في دراستك، مشاركتك في شؤون الأسرة، أن تبني علاقات طيبة مع صديقاتك، وأن تكوني مثالا يحتذى به من حيث المشاركات الأسرية على وجه الخصوص، وهذا يؤدي إلى تنمية كبيرة جدا في مهاراتك، وسوف يصب في مصلحتك، وبصورة إيجابية جدا في تطوير علاقتك مع والديك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.