السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أدعو الله أن تكونوا بخير، فإني -والله- أدعو لكم ولي بدخول الجنة؛ لما تفعلون من خير ومساعدة للناس، أنا عندما تواجهني متاعب شديدة تكدر علي حياتي، أدعو الله، ثم أفكر في طلب المساعدة منكم، فأنتم الأمل الوحيد لي، بارك الله فيكم، وجزاكم خيرا.
أنا مصاب باكتئاب قوي منذ فترة وجيزة، تقريبا منذ حوالي شهر كامل، هذا الاكتئاب قد تمكن مني وسيطر علي، وأظلمت أيامي، سبب هذا الاكتئاب أعرفه جيدا، سببه التفكير المرهق، وغير المفيد، بل إنه التفكير التشاؤمي البغيض.
أنا في المرحلة الثانية من كلية الآداب، وأدرس في محافظة بعيدة عن أهلي ومغترب، منذ شهر بدأت أفكر أني كبرت، وكلها سنتان وأنهي الجامعة، وأبدأ العمل، ومن هنا ظهرت المشكلة.
تفكيري سيطر علي لدرجة أنني أحسست أني أنهيت الكلية، وأنا الآن لا أستطيع الحصول على عمل، وليس عندي دخل، وفي بعض الأوقات أتصفح الإنترنت على بعض الأعمال في تخصصي، وهو تخصص الترجمة، فأنا في قسم اللغة الإنجليزية، وأرى بعض الوظائف في دول أخرى ذات راتب جيد، وأتخيل نفسي فيها.
أحيانا لا أرى ما يلائمني، أو أن المرتب ضعيف جدا، وأشعر بالاكتئاب؛ لأني لن أستطيع أن أكفل نفسي، ولن أستطيع أن أحصل على مال؛ لأرسل أمي إلى الحج، وأحصل على متطلباتي.
أتخيل نفسي أني تزوجت، ولكن بعد مدة قليلة، لا أجد عملا، ولا أستطيع أن أصرف على بيتي، هكذا أظل أفكر في المستقبل كثيرا، وأنا ما زلت في السنة الثانية، وأفكر بالمستقبل بتشاؤم، وأجعله مظلما!
أفكر أني مغترب وبعيد عن أهلي، وألاقي الصعوبات، وكل هذا من أجل ماذا؟! من أجل كلية الآداب؟! كلية ضعيفة، وكل من يستمع إليها يشمئز، وليست كلية ذات عائد عالي، ووظائف شبه مضمونة.
دائما في نهاية التفكير أقول لنفسي: اجتهد واعمل الذي عليك، وربنا ييسر، والرزق مكتوب لكل واحد، سواء عمل كذا أو كذا، وسوف يأخذ رزقه، ولكنى لا ألبث حتى أرجع للتشاؤم والحزن، وأقول: إن مستقبلي مظلم وكئيب، وإني عالة! وأظل أقلل من نفسي ومن هيبتي، وأكره نفسي.
أرجوكم، ساعدوني، ماذا أفعل حتى أتوقف عن هذا التفكير؟! لقد جربت أشياء كثيرة، جربت أن أشغل يوميا؛ حتى لا أفكر، جربت القراءة، ولكن لا فائدة.
هل عندما أنهي الجامعة لن أجد وظيفة بعائد جيد؟ هل سوف أكون فاشلا؟ هل سوف يتغلب علي الاكتئاب؟ هل مقولة لا نجاح إلا بعد فشل تنطبق علي؟ فدخولي الآداب هي مرحلة الفشل، تليها مرحلة النجاح؟!
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قطعا أنت استحوذ عليك الفكر السلبي، فكر أستطيع أن أقول لك: إنه غير صحيح، فكر فيه الكثير من التشويش، فكر يقوم على التشاؤم وعلى التطير، ونسيان أنك في عمر جميل، وأنك صاحب طاقات نفسية وجسدية متميزة، وأن أمامك -إن شاء الله تعالى- حياة طيبة وهانئة.
أيها الفاضل الكريم، أود أن أنصحك بشيء واحد ضروري جدا، وهو ألا تتحسر على الماضي، ولا تخف من المستقبل أبدا، المستقبل بيد الله، والمستقبل دائما يقوم على الأمل والرجاء، والماضي قد انتهى، وكل خبرات اكتسبها الإنسان في الماضي حتى وإن كانت سلبية، فهي سوف تزيد في رصيده التربوي والمسلكي والمهاراتي.
إذا نحن أمام شيء مهم جدا، وهو الحاضر، الحاضر يجب أن يعاش بقوة، وهذا هو المبدأ العظيم الذي نراه أنفع من الناحية السلوكية، فركز على حاضرك الآن، تأمل كيف تقضي وقتك، أدر وقتك بصورة محترمة وفاعلة، رفه عن نفسك، ادرس، تواصل اجتماعيا، ابن صحبة طيبة، كن بارا بوالديك، مارس الرياضة، خصص ساعات مهمة للدراسة، وأفضل الطرق، هي أن تنام مبكرا، وتستيقظ لصلاة الفجر، ثم تدرس ساعة إلى ساعتين بعد الصلاة، هذا يكفيك اليوم كله دون أي مبالغة، بل مثل هذا الفعل –أي الاستفادة من البكور– يجعلك سلسا ومنشرحا بقية يومك؛ مما يزيد من إنتاجيتك وفعاليتك، ويشرح صدرك -إن شاء الله تعالى-. هذا هو الذي أدعوك إليه.
كلمة الاكتئاب، وكلمة التشاؤم، وكلمة الحزن: لا نريدها أبدا أن ترتبط بعقول شبابنا، هنالك تحديات؟ نعم، هنالك مكابدة؟ نعم، لكن هنالك أمل، هنالك رجاء، هنالك جمال، هنالك سعادة...، فيا أيها الفاضل الكريم، أنت محتاج حقيقة أن تركز على حاضرك، وأن تنقل نفسك نقلة إيجابية. هذا هو الذي تريده وتحتاجه، وليس أكثر من ذلك، وأنا أنصحك بذلك.
في ذات الوقت ليس هنالك ما يمنع أن تتناول دواء بسيطا جدا يزيل عنك القلق والتوترات، ويحسن من مزاجك: عقار (موتيفال) متوفر في مصر، وهو من الأدوية البسيطة، وزهيد الثمن، ومفيد جدا وسليم، يمكنك أن تتناوله بجرعة: حبة واحدة ليلا لمدة شهرين، ثم اجعلها حبة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.
أيها الفاضل الكريم، لا تنشغل بهذه الأفكار الافتراضية المستقبلية، أنت لست فاشلا أبدا، لا تخف من الفشل، ابن حاضرك الآن، وكن جادا ومجتهدا، -وإن شاء الله تعالى- تكون الثمرة: نجاح عظيم، وتفوق كبير، ومتعة حقيقية في الحياة.
احرص على صلاتك -أيها الفاضل الكريم– في وقتها؛ فالصلاة هي عماد الدين، وهي الدافع لطمأنينة النفس، وفيها وبها الفلاح، وبدونها الخسران والبوار.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.