السؤال
السلام عليكم
أعاني من علل نفسية متعددة منذ الطفولة، وزرت الكثير من الأطباء النفسيين، وأخذت أكثر من 15 عقارا على مدى السنين، حيث عانيت من عدم تقبلي للمجتمع مطلقا إلى أقصى ما يمكن أن تتصور، وليس فقط عدم قابليتي على الانخراط فيه، وعانيت من P.T.S على الأقل مرتين كما شخصني الأطباء:
الأولى: لم أتجاوزها إلا بعد 5 سنوات، وكانت في سن 13، ووصفها الأطباء -من حدث لا يحدث منه الإصابة به- بالصدمة.
الثانية: ظل تأثيرها إلى حد اليوم بعد 5 سنوات أيضا، ولكن الأطباء اعترفوا بأنها قد تسبب صدمة، وحاليا حالتي مقبولة، ولكني منقطع عن الأطباء وتارك العلاجات منذ أكثر من سنة؛ لأن جميع الأطباء فشلوا فشلا ذريعا في التشخيص، مع اختلاف تشخيصاتهم واختلاف أدويتهم، وكنت دائما أعطي الطبيب فرصتين أو ثلاثا في تغيير التشخيص الذي أعرفه من تغير الأدوية جذريا، وليس زيادة الجرعة.
أعاني حاليا من الوسواس القهري بتقشير الشفة، حتى ومع النزف ونتف وبر الملابس إلى حد تمزيقها.
لدي سؤالان مع الشكر:
1- إذا تناولت عقار فافرين ففي أي يوم يظهر أثر مقبول نوعا ما؟ حيث أن عقار الانفرانيل يعمل بعد عشرة أيام، وعقار باروكستين بعد ثلاثة أسابيع كما قال لي أحد الأطباء.
2- كثيرا ما قلت للأطباء: إن أساس مشاكلي النفسية كلها هي الضمير، ولكنهم لم يأخذوا ذلك بجدية عدا واحد قال لي: لا نعلم مركز الضمير في الدماغ، ولحد الآن لا تزال 80% من وظائف الدماغ مجهولة، فهل هذا صحيح؟ هل هناك مرض أو أمراض نادرة شخصت في الغرب سببها الضمير؟ وهل هنالك أدوية متخصصة لمعالجة هذه الأمراض؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا: خفف عن نفسك، ولا أريدك أبدا أن تنظر أن حالتك مستعصية.
بالنسبة لعصاب ما بعد الصدمة: هذا الآن أصبح تشخيصا شائعا جدا، وأنا أعتبره سببا أكثر مما هو تشخيص، بمعنى أنه سبب في تشخيصات أخرى، يعني الذي استخلصته من استشارتك هذه هو أنك تعاني من ضجر وكدر واضح جدا، ولغتك الاحتجاجية هذه هي تعبير عن عدم الرضا، وعدم الرضا كثيرا ما يكون الضجر سببا فيه، والضجر لا شك أنه درجة من درجات الاكتئاب.
فيا أيها الفاضل الكريم: مشكلتك ليست معقدة، وموضوع الضمير والضميرية بالفعل أمر موجود، وأنا أحب أن أضعها في نطاق النفس -النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة- الأشخاص من أصحاب الضمير اليقظ القوي، أو ما سماه الفرديون والمدرسة التحليلية باسم (أنا العليا) كثيرا ما تتسلط على صاحبها حتى وإن ارتكب بعض الأخطاء البسيطة، وهنا تتحول النفس إلى نفس لوامة، والنفس اللوامة هي نفس جيدة ولطيفة ومقبولة، لكن إذا تسلطت على صاحبها بصورة غير منطبقة خاصة في صغائر الأمور، هنا قد يدخل في حالة اكتئابية، لكن معظم الناس -الحمد لله تعالى- ينتقلون إلى النفس المطمئنة.
أخي الكريم: لا تنزعج، انظر للحياة بإيجابية، أنت -الحمد لله- في سن صغير، لا تشغل نفسك بهذه المسميات النفسية المتعددة، تغيير التشخيص في الطب النفسي هو أمر عادي جدا، وذلك نسبة لاختلاف المدارس، واختلاف المناهج التشخيصية، وكذلك المعايير ودرجة تدريب الأطباء وخبرتهم، هنالك تفاوت كبير، لكن الشيء المتفق عليه الآن أن هذه المسميات ليست مهمة.
وأنا أعرف مرضى صنفوا وشخصوا بأن حالتهم مرض الفصام –ويعتبر من أشد الأمراض– لكن الحمد لله بعضهم الآن يعمل ويتلقى علاجه بانتظام، وأمورهم على خير، وهكذا.
أنا لا أريد أن أختزل لك الأمور أو أطمئنك فيما ليس بحق، لا، أطمئنك فيما هو حق.
وبالنسبة لما ذكرته من وسواس يؤدي حتى إلى تقشير الشفة مع النزف: هذا –أيها الفاضل الكريم– ناتج من القلق، من التوتر، هو نوع من الاستشعار الذاتي من أجل التفريغ والتخلص من الضجر، فالجأ لوسائل أخرى، ممارسة الرياضة سوف تفيدك، ممارسة تمارين الاسترخاء سوف تفيدك، تنظيم الوقت، النوم الليلي، التواصل الاجتماعي... هذا كله علاج، وعلاج مهم جدا.
أما بالنسبة للأدوية: فالأدوية متشابهة، والفافرين من الأدوية الممتازة، لكن قطعا مثل بقية أدوية البناء الكيميائي الصحيح لا يبدأ حقيقة قبل أسبوع، ولا يكتمل قبل أربعة أسابيع من تناول الجرعة العلاجية.
أعتقد أنك تحتاج له في جرعة صغيرة، ابدأ بخمسين مليجراما ليلا لمدة أسبوع، ثم اجعلها مائة مليجرام ليلا، وهذه تكفي تماما، حيث إن الجرعة القصوى هي ثلاثمائة مليجرام، لكن لا أعتقد أنك في حاجة لمثل هذه الجرعة.
استمر على مائة مليجرام لمدة ستة أشهر مثلا، ثم اجعلها خمسين مليجراما لمدة شهر، ثم خمسين مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر آخر.
هذا هو الذي أراه وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.