أيهما أولى الرضا بالقضاء أم دفعه بالدعاء؟

0 361

السؤال

السلام عليكم ..

كيف للمؤمن أن يجمع بين الرضا بالبلاء والشكر حين نزوله وشدته، وأن يدعو الله برفعه؟ فالأولى أنه لو رضي لما دعا بدفعه ولترك الأمر لله!

شبهة أرقتني!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

بخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل - فإن الإنسان منا إذا علم أن الله تبارك وتعالى أرحم به من نفسه بل وأرحم به من أمه وأبيه، وأنه ألطف معه وأرق عليه وأحن من أي جهة أخرى مهما كان دعواها ومهما كانت صلتها، علم أن البلاء عندما يتنزل فإنما يتنزل لحكمة عظيمة قد لا تستطيع قوى الإنسان أن تدركها مهما أوتي من عقل وحكمة وذكاء وإدراك، ولذلك على العبد أن يسلم تسليما لمراد الله تعالى، لعلمه أن الله يحبه، وأن الله جل جلاله سبحانه وتعالى ما ابتلاه إلا لحكمة يعلمها جل جلاله، وهي فيها من النفع ما لو علم حقيقة البلاء لتمنى أنه ما رأى العافية يوما من أيام حياته، وهذا موجود حقيقة في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لو علم أهل البلاء ما أعد الله لهم من الأجر والمثوبة لتمنوا أنهم ما رأوا العافية يوما من أيام حياتهم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

إذا بهذه الروح - بارك الله فيك - يكون استقبال الإنسان للبلاء، لأن هذا هدية من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي سيشعر بأنه منسجم معه، وأن الابتلاء مهما كان عظيما فإنه هين، وأن هذا الرضا حقيقة سيخفف الآلام إلى درجة أن يجعلها كلا شيء، بل إنه أحيانا قد يستعذب البلاء أيضا لعلمه أن هذا هو مراد ربه ومولاه، وأن الذي يأتي من الله كله خير.

كونه يدعو الله تبارك وتعالى مع هذا، هذا دأب الأنبياء والمرسلين، هذا ليس فيه نوع من التعارض أصلا، ولا يقتضي أن يكون فيه شبهة، لماذا لأننا أمرنا أن نسلك سبيل المرسلين، وأن نتبع الأنبياء والمرسلين، وأن نقتفي آثارهم، وهذا كان حالهم، فإنهم علمونا بأن هذا الابتلاء (أولا) رحمة من الله تبارك وتعالى، ولكن يجوز للإنسان إذا كانت هذه الرحمة، هو لا يدرك كنهها ولا يستطيع أن يتأقلم معها التأقلم الكامل فلا مانع أن يدعو الله تبارك وتعالى أن يرفع عنه البلاء.

لذلك هذا هو حال الأنبياء والمرسلين، وقد لا يكون الأمر مباشر، كأن يسأل العبد ربه أن يشفيه، ولكن كما كان في حال أيوب عليه السلام: {رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}، وكما قال إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وإذا مرضت فهو يشفين}.

إذا أقول - بارك الله فيك -: لا يوجد هناك تعارض حقيقة، لأن منهج الأنبياء والمرسلين مع الرضا بالبلاء أنهم سألوا الله عز وجل أن يرفعه، لأن البلاء قد يعطل بعض العبادات الظاهرة للإنسان، والإنسان يحب هذه العبادات، فهو يرى أنها تعطله، نعم ويرى أن فيه أجر عظيم، ولكن النفس البشرية عندما تميل لشيء وتشتهيه وتتعلق به تتمنى ديمومته، ولذلك كان بعضهم يدعو الله بشدة أن يدفع عنه البلاء حتى لا يحرم قيام الليل، لأنه يرى أنه في قيام الليل من الأنس والمودة ما لا يراه في الابتلاء، هو ليس منكر للبلاء وليس معترض عليه، لأنه حقيقة الاعتراض هو الأصل، عدم الرضا، هو راض تمام الرضا، ولكن يرى أن هذا الابتلاء يعطل عن عبادة يراها بجهده البشري أنها أنفع له، وأنها أوفق لظروفه من البلاء، فيدعو الله تبارك وتعالى أن يشفيه، مع عدم الجزع، مع عدم السخط، مع عدم القنوط، مع عدم اليأس من روح الله تعالى أو من رحمة الله.

إذا كون الإنسان راضيا بالبلاء وشاكر الله تبارك وتعالى على ذلك، لا يمنعه حقيقة أن يدعو برفعه، لأن كما ذكرت قد يكون هذا البلاء يعطل بعض التكاليف الشرعية الظاهرة، نعم إن هذا البلاء له أجر عظم، وإن الله سيعوض به حقيقة هذا التعطيل، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العبد إذا مرض أو سافر كتب الله له ما كان يفعله إذا كان مقيما سليما. إذا هو له الأجر، ولكن هذه هي النفس البشرية، فالدعاء لا يتعارض، أهم شيء عندنا عدم الجزع وعدم اليأس وعدم القنوط، وعدم التسخط على أقدار الله، وبذلك يكون العبد شاكرا صابرا، ويكون في أفضل أحواله التي ينبغي أن يكون عليها كحال الأنبياء والمرسلين.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات