السؤال
السلام عليكم.
سيدي الفاضل، اضطررت للخروج إلى العمل من الساعة 8 ص إلى 6 م، وكنت قبل العمل أقوم الليل إلى صلاة الفجر، ولا أضيع الفروض، ومنذ أن بدأت العمل لم أستطيع أن أقيم الليل أبدا، وكذلك توجد أيام أضيع فيها صلاة العشاء وصلاة الفجر أيضا، فلا أعلم ماذا أفعل كي أستطيع أن أعيد صلواتي! خاصة قيام الليل في الثلث الأخير، لأنه كان ملاذي من هذه الدنيا القاسية، مع العلم أنني أيضا أريد قضاء وقت قليل مع أمي، فكيف أستطيع فعل كل ذلك؟ وكيف أستطيع ترتيب أوقاتي؟
ثانيا: نحن قدمنا للعيش مع أخي في دولة خليجية، ولكنه صعب المراس وعصبي، وكثيرا ما يجرحني بكلامه، ويريدني أن أطيعه بدون تفكير، وإذا عارضته يشتمني، ودائما يقول لي: أنا أفهم كل شيء وأنت لا تفهمين أي شيء، وأنا أخوك الأكبر منك ويجب عليك أن تنفذي كلامي. وهذا ما يشعرني بالذل والمهانة، ويقول لي: ماذا تظنين نفسك؟ أنت تريدين كل شيء على مزاجك؟
كنا نعيش في بلادنا أنا وأمي بمفردنا، وكنا بخير ولكننا أصبحنا الآن نساق لأخي ولا يريد أن يعيدنا إلى بلادنا، ويريد أن يكون كل شيء بأمره، ماذا علي أن أفعل؟ خاصة أنني أشعر هنا بالذل والمهانة، وهل لي الحق في هذا الشعور أم لا؟
وهناك أيضا خلافات كثيرة بيننا وبين زوجته، والتي أصبحت بطبيعة الحال تعرف كل شيء عنا بعد أن كنت دائما أدعو الله أن يبعدها عن حياتنا وخاصة في قيام الليل.
لا أعلم لماذا كل شيء يحدث الآن عكس ما تمنيته، وكأنني أعيش في كابوس؟! ويقولون لي: من المفروض أن تفرحي لأنه سيكون لك عمل، وسيكون لديك راتب. وأنا من الأصل لا أريد العمل، لكن أريد الصحبة الطيبة الصالحة في الحياة، وطمأنينة القلب وقيام الليل والزواج، خاصة أن عمري أصبح 28 سنة.
تعبت جدا من هذه الحياة وكرهتها، هل من نصائح للعمل بها؟
وجزاكم الله خيرا كثيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خير حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، ويصلح حالك، ويصلح ما بينك وبين أخيك، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك –أختي الكريمة الفاضلة– فإنه مما لا شك فيه أن العمل بهذه الطريقة يعتبر معصية لله -تبارك وتعالى-، ما دام يترتب عليه تضييع الصلوات، أنت لم تقولي بأنك تصلينها في غير وقتها، لكنك قلتي بأنك ضيعتيها بالكلية خاصة صلاة العشاء والفجر، فماذا بقي لك من صلوات؟ فهذا العمل الذي أنت فيه يحتاج إلى تغيير، ولا مانع من أن تكلمي أخاك في هذا الموضوع، حتى وإن كان العمل الجديد الذي سوف تعملين فيه أقل دخلا وأقل راتبا، فهو أولى من هذا العمل الذي يضيع أركان الإسلام الكبرى، لأنك تعلمين أن الصلاة هي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا بارك الله في عمل يلهي عن الصلاة.
بداية ينبغي عليك أن تعيدي النظر في هذا الأمر، ولا بد أن يكون هذا الأمر على رأس أولوياتك، لأنك كنت على قدر من الطاعة والعبادة، وأصبح الآن كل ذلك هباء منثورا، من أجل عرض من الدنيا قليل لا يسمن ولا يغني من جوع، خاصة وأنك تعلمين أن هذه الأرزاق مضمونة، أما العبادات فهي مفروضة، فأنت بذلك تضيعين المفروض عليك من أجل المضمون لك، وهذا نوع من السفه والعته الذي ينبغي أن يترفع عنه كل مسلم، فإن الله -تبارك وتعالى- ضمن لعباده أرزاقهم ولكنه فرض عليهم تكاليف لا بد أن يقوموا بها، فلا ينبغي أن يشغلك المضمون عن المفروض أبدا.
قفي وقفة مع هذا العمل، وحاولي أن تتكلمي مع أخيك بكل قوة، وتقولي له: (لا مانع لدي من العمل، ولكن ابحث لي عن عمل آخر دوامه أقل حتى أستطيع أن أؤدي حق الله -تبارك وتعالى- وحق أمي علي).
فيما يتعلق بأخيك والكلام معه، فإن الكلام ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون كلامه هو الحق وأنت كلامك ليس صحيحا، فيجب عليك أن تسمعي له، وإما أن يكون كلامك هو الحق وكلامه ليس صحيحا، وفي تلك الحالة من حقك أن تدافعي عن وجهة نظرك، ولكن مع مراعاة عدم العصبية، ومراعاة أنه أكبر منك سنا، وأنك تقيمين معه وهو محرمك، فلا بد أيضا أن يكون الطرح ووجهة النظر الجادة والصواب بأسلوب هادئ، حتى لا يثار ويندفع لقول كلام أنت في غنى عنه، ويشعرك بالذل والمهانة.
أما ما يتعلق بقضية أنه يرفض العودة بكم إلى بلادكم، قد يكون بسبب أنه ليس لديكم محرم هناك وهذا وارد جدا، وأنت لم تذكري أسماء إخوة لك غيره، فلعل وجودك معه أفضل وهذا هو الحق، بمعنى أنك –بفضل الله تعالى– تعيشين مع محرم شرعي ومعك الوالدة، حتى وإن كان هناك نوع من المشقة، فذلك خير من أن تعيشي بلا محرم، إلا إذا كان في بلادكم حياة آمنة ولا يوجد فيها منغصات شرعية إلى غير ذلك، أو إذا كان لكم رزق دائم ولو بسيطا لا تضطرون معه أنت وأمك إلى سؤال الناس، أو أن تمدوا أيديكم إليهم، أو أن يشعروا بحاجتكم، ففي هذه الحالة إذا كان الأمر في بلادكم هكذا فمن حقك أن تستأذني منه وأن تعتذري له، وأن تذهبي أنت وأمك وتعودا إلى بلادكما.
أما إذا كانت الإقامة في بلادكم غير آمنة، وتعتريها مشاكل شرعية ومشاكل أمنية ومشاكل في الأرزاق، فأنا أرى أن الإقامة مع أخيك رغم هذه الظروف الصعبة ورغم هذه الحالة النفسية السيئة، سيكون أولى وأفضل؛ لأنه بلا شك أخف الضررين، ونحن حقيقة نحرص على أخف الضررين، لأن المشقة تجلب التيسير.
أما عن الزوج الصالح والعبادات، فعليك بالدعاء والإلحاح على الله -تبارك وتعالى- أن يمن عليك بالزوج الصالح، فهذا من حقك الشرعي، خاصة وكما ذكرت أنك وصلت إلى سن تحتاجين فيها إلى رجل حقا، خاصة في هذا الوضع غير الطبيعي، مع وجود زوجة الأخ التي قد يكون لها دور أحيانا في تعكير صفو الأسرة.
أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.