كيف أوفّق بين حقوق زوجي وأهله وبين حقوق والِدَيَّ؟

0 358

السؤال

السلام عليكم..

أنا فتاة متزوجة، أعاني من الأرق وكثرة البكاء والتفكير، خاصة في الليل، ما الحل؟

كيف أجعل زوجي يحترمني أمام أمه؟ وكيف أجعل أمه تحترمني؟
علما أنه حين تحدث مشكلة بيني وبينها، تبدأ بالكلام علي وإهانتي، فكيف أتخلص من هذا الكلام؟ وكيف أرد عليهما؟ علما أن زوجي مع أمه على الحق والباطل، وقد نصل للطلاق بسبب أشياء تافهة تذكرها له، حتى لو تركتهما يتحدثان ويشتمان وذهبت إلى غرفة أخرى، فإني ألقى من الإهانة الضعف، فما الحل؟

منذ سنتين حصلت بعض المشاكل بين أهلي وزوجي، وقد خيرت بين الطرفين، فاخترت زوجي، علما أني كنت حاملا، فرفض والدي أن أعود إلى زوجي، وقد أجبرت أن أذهب إلى المحكمة لطلب الخلع، ففعلت، ولكني بعد فترة شهرين اتصلت بزوجي، وذهبت معه من دون علم أهلي؛ لأننا لا نريد ترك بعضنا.

علمت من إخوتي أن والدي غاضبان علي، فذهبت واعتذرت، وقد قاطعتهم مدة سنة ونصف، بعد فترة لا تقل عن شهرين حصلت مشاكل، وتضارب أبي وزوجي، وسجنوا، وخيرت بين الطرفين، فاخترت زوجي، وبعدها أمي بدأت بالدعاء علي، وقالت: إنها غاضبة إلى يوم الدين، ولا تريد رؤيتي.

هل ما فعلته يرضي الله أم يغضبه؟ وماذا أفعل وكيف أتصرف؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم لارا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يرضى عنك، وأن يصلح ما بينك وبين زوجك وأهلك.

بخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه -أختنا- فيمكن تلخيص الأسئلة فيما يلي:
1- علاج الأرق.
2- احترام الزوج والأهل لك.
3- ما حدث بينك وبين والديك.

أولا: اعلمي -حفظك الله- أن الأرق يعود غالبا إلى ضعف القلب وابتعاده عن الله -عز وجل- ذلك أن القلب الراكن إلى الله مطمئن دائما في السراء والضراء، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "من وطن قلبه عند ربه، سكن واستراح، ومن أرسله في الناس، اضطرب واشتد به القلق" والذي أنت فيه، هو لون من ألوان البعد عن الله -عز وجل-.

يمكنك -أختنا الفاضلة- العمل على سكون القلب من خلال ما يلي:
1- الإيمان بالقضاء والقدر: الإيمان بالقضاء والقدر ركن عظيم من أركان الإيمان، يجعل المسلم مستوثقا بالله، مستبشرا بما أصابه، ذاكرا في كل أحواله قول الله -تعالى-: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}، إنه يؤمن بأن كل شيء عند الله مكتوب ومسطور قبل أن يخلق الله السماوات والأرض، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وما دام القدر مكتوبا فلم الفزع والقلق؟! خاصة وقد علمنا -أختنا- أن العبد لا يمكنه أن يعرف الخير من الشر، فقد يطلب الشر ولا يدري، وقد يرفض الخير دون أن يعلم، وهذا بعض قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}.

2- الابتعاد عن هم الدنيا: المسلم الحق -أختنا الكريمة- لا يجعل الدنيا أكبر همه، ودائما ينظر إليها على أنها دار ممر لا مقر؛ ولذلك كان من دعاء الصالحين: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا". وقد قال أهل العلم: "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله، تحمل الله عنه حوائجه كلها، وإذا أصبح وأمسى وهمه الدنيا وما فيها، جعل الله فقره بين عينيه، وحمله من الهموم والغموم والأنكاد، ووكله لنفسه".

3- عدم العيش فيما مضى: الأصل أن الأحداث الماضية قد مضت، والعقل يقتضى أخذ العبرة منها، لا العيش فيها، لكن كثرة التفكير فيها والخوف من الغد والقلق مما يخبئه؛ لا شك أنه يدفعك دفعا إلى الأرق، وقد قيل: "يا ابن آدم إنما أنت ثلاثة أيام: أمسك وقد ولى، وغدك ولم يأت، ويومك فاتق الله فيه، لا تستعجل الحوادث وهمومها وغمومها؛ حتى تعيش فيها، فلك من الله عون".
سهرت أعين ونامت عيون * في شؤون تكون أو لا تكون
إن ربا كفاك بالأمس ما كان * سيكفيك في غد ما يكون.

4- كثرة الذكر عند وجود الأرق، وخاصة عند النوم: الذكر -أختنا الكريمة- يذهب القلق والأرق، ويطمئن القلب، فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من تعار من الليل -أي استيقظ من نومه- فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا، استجيب له). وقد سأل الوليد بن الوليد رسول الله قائلا: يا رسول الله، إني أجد وحشة! فقال: (إذا أخذت مضجعك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون).

إن قال قائل: لا أحفظها، فاستغن عنها -يا عبد الله- بالمعوذتين؛ (فما تعوذ متعوذ بمثلهما قط). {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق} [الفلق:1-2]؛فيهما استعاذة عامة، ثم استعاذ من أشياء خطيرة، خاصة الليل وما فيه من الطوارق، والمفاجآت الخطيرة، {ومن شر غاسق إذا وقب} [الفلق:3]، ومن السحرة والساحرات، {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق:4]، ومن الحاسد وعين الكائد، {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق:5].

تأملي -أختنا الفاضلة- في الأذكار التي تقال قبل النوم، وما فيها من العلاقة بين السكون والهدوء والطمأنينة والراحة، وما تسببه هذه الأدعية من الآثار العظيمة الإيجابية على النفس؛ (اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك –أستندت وأويت إلى ركن شديد-، وألجأت ظهري إليك؛ رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت).

ثانيا: احترام زوجك وأهله لك: فهذا أمر نسبي، ويعود في الأساس على عدة عوامل، منها: تدينهم وأخلاقهم، وتدينك وأخلاقك، ثم تأتي طريقة التعامل معهم، ولأننا لا نعلم مدى تدينهم أو أخلاقهم؛ فإننا ندعوك إلى ما يلي:
1- الإحسان إليهم، وإن أساؤوا إليك.

2- عدم النيل منهم، ولو مازحة.

3- للهدية دورها في تليين القلوب.

4- إبعاد ما يحدث بينك وبين زوجك عن محيط النقاش بينك وبين أهله.

5- كثرة دعاء الله -عز وجل- أن يذهب ما بينهم وبينك، وأن يلين قلوبهم.

أما بالنسبة لزوجك: فإضافة إلى ما مضى، نرجو منك تعميق الحواربينكم على أن يتميز بالود والحنان والاستماع إليه والاجتهاد في تفهم ما يحبه وما يرضاه وما يعيبه عليك، واحذري -أختنا- أن تجعليه في مواجهة نفسه؛ بذكر سلبياته بطريقة منفرة؛ لأنه لا رادع له يردعه عن إيذائك، بعد أن ابتعد عنك أهلك وهو يعلم! وخير وسيلة إلى تجاوز تلك المرحلة: معاملته بنوع عال من التقدير له ولشخصه، مع عتب بسيط عليه عند الحاجة إلى ذلك.

ثالثا: لا شك -أختنا- أن طاعة كل من الوالدين والزوج واجب شرعي، والأصل أن تجمع المرأة بين طاعتها لوالديها وزوجها، لكن إن تعارضت الحقوق فيجب عليها حينئذ تقديم حق زوجها؛ وذلك لأن طاعته أوكد من طاعة غيره، فقد ورد في الأمر بطاعته والتحذير من مخالفته، والوعيد عليها ما لم يرد في حق غيره، لكن إذا كان زوجها يأمرها بمعصية الله، فلا طاعة له حينئذ.

نوصيك -أختنا- أن تجتهدي بكل وسيلة لإصلاح ما بينك وبين أهلك، وسطي أهلك أو خالتك أو أهل الصلاح، المهم أن تصلحي ما بينك وبينهم، ونحن نعلم أن الأمر صعب، لكنه ليس مستحيلا؛ وذلك لأنهما يحبانك بالفطرة.

اجتهدي في الدعاء -أختنا- أن يذهب الله ما بينكم، نسأل الله أن يوفقك لكل خير، والله المستعان.

وللمزيد عن الأرق، يمكن مراجعة الاستشارات التالية: (2192625 - 2231838 - 2237573).

مواد ذات صلة

الاستشارات