السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أنا دائما أحب الوحدة والجلوس لوحدي منذ أكثر من 5سنوات، بسبب أزمة مرت بي في الصغر، أفقدتني الثقة بنفسي وبالآخرين، وأصبحت لا أثق بأحد نهائيا، حتى أسرتي، وحتى أصحابي أشعر باستهزاء منهم.
عندي وساوس كثيرة في المستقبل، كيف سيكون حالي بدون أصحاب، أصبحت لا أثق بأحد نهائيا، وأحيانا أفكر في الموت والانتحار، وأحيانا أفكر ماذا سيحصل للإنسان في قبره، وأسمع محاضرات عن الموت، وعن عذاب القبر، وأريد أن أستعد للحياة الأخرى.
مع هذا كله الناس تنتقدني، فأنا لا أجد أحدا يفهمني، وللأسف ليس عندي صاحب يعرف من هو (أحمد) وماذا بداخل (أحمد) فقد مررت بحادث في الماضي، والناس ظنت بي ظن سوء، فماذا أفعل؟ أنتم عرفتم أن (أحمد) إنسان تافه، اتركوني بحالي.
أنا ما زلت أعاني من الناس، ومن انتقادهم القاسي تجاهي، فماذا أفعل؟ الناس لا تتقبلني، فماذا أفعل؟ فلي أكثر من سنة لا أتحدث مع أحد، يعني الآن لا أثق في أحد أبدا ممن حولي، وإذا قابلت شخصا لا يعرفني أقول لنفسي: هذا يعرفني، ويظن بي سوءا.
وصلت لدرجة أشعر أن عقلي توقف عن التفكير، وأشعر بألم في رأسي، والناس لا ترحم إذا علموا أن عيبا فيك، فكيف أتخلص منهم؟ وهل المشكلة عندي أم عندهم؟ فأنا دائما كئيب، لدرجة أصبحت أرى الأشياء (طشاش أو غير واضحة)، يعني نظري أصبح ضعيفا، وليس عندي نية للطعام، ولا لأي شيء، فقدت التمتع بأي شيء، أحاول أن أتفاءل بالفرج، لكني أنجح لـ 15 دقيقة أو لـ 10 دقائق فقط، وأرجع أسوأ مما كنت.
أنا بطبيعتي لا أشكي لأحد، مهما كانت الأمور، فدائما أكتم في نفسي، وأنا شاب أريد أن أعيش حياتي بنجاح بعيدا عن الإعاقات، فحلمي رضى الله عز وجل عني، ثم تكوين أسرة، وأن يكون لي بصمة بعد مماتي.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية، ونتمنى من الله العزيز أن يعزك ويرفعك في الدنيا والآخرة.
أولا نقول لك: التفكير في الماضي، وما حدث فيه من أحداث، سواء كانت إيجابية أو سلبية قد مضت وولت، والآن ينبغي التفكير في الحاضر والعيش والاستمتاع بما فيه، أما الماضي فنستفيد منه فقط في كيفية تجنب التجارب الفاشلة، وكيفية تدارك الأخطاء السابقة.
ثانيا: نثني عليك في طريقة سردك وتحليلك لمشكلتك بصورة جيدة، وهذا يدل على وعيك وقدرتك على ترجمة ما تشعر به، وما تعاني منه، وهذا في حد ذاته خطوة من خطوات العلاج، بل هو نصف حل المشكلة.
ثالثا: ما عانيت منه في طفولتك ربما يكون أثر في صورتك الذهنية عن نفسك وتقديرك الذاتي عنها، ورسخ ذلك في عقلك الباطن، بأنك أقل من الآخرين، وكأن الآخرين مبرئين من الخطأ، فالمقياس الذي استخدمه الذين سخروا منك مخالف لكل القيم الإسلامية والاجتماعية والأخلاقية.
طريقتهم في التعامل معك أدت إلى كبت قدراتك، ومهاراتك الشخصية والاجتماعية؛ مما نتج عنه كراهية التواصل مع الناس، والاختلاط بهم.
فنقول لك: لا تنظر لتجارب الماضي بأنها مقيدة، ومكبلة لقدراتك وطموحاتك، بل انظر إليها بأنها تجارب نستلهم منها الدروس والعبر، بل هي دافع لك للتغيير إلى الأفضل والأكمل، ورب ضارة نافعة.
المهم أخي الكريم هو: إرضاء الله تعالى كما تطمح لذلك، فالله جل وعلا هو الغفور الودود، الرحيم الكريم، العفو الجليل، فإذا رضي عنك الخالق فلا يهمك رضا الخلق.
قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
لذلك نقول لك: مشكلة تجنب الآخرين، وعدم الاحتكاك بهم لا بد من التفكير في حلها بالطرق الواقعية، وأولها المواجهة، وعدم الانسحاب والتعذر بأسباب واهية، فحاول رفع شعار مفاده التحدي والاقتحام بالزيارات المتكررة للأهل والأصدقاء، وإجابة الدعوات والمشاركة في المناسبات، ولو بالصورة المتدرجة في المدة الزمنية، فهذه تكسبك الثقة بالنفس وتزيدها، فإذا انكسر الحاجز النفسي فسيكون الأمر طبيعيا إن شاء الله.
وإذا حدث تغيير في شخصيتك بحسن التدين، وبتعلم العلم النافع، والتخلق بالأخلاق الفاضلة؛ فستتغير نظرة الناس تجاهك، وتصبح في القمة إن شاء الله، فتمعن في سيرة الصحابة رضي الله عنهم، كيف كانت حالتهم قبل الإسلام وبعد الإسلام.
أما حديث الناس عنك فانظر إليه بأنه هدايا ثمينة غالية تهدى إليك كل يوم، فهم يعطونك حسناتهم، ويأخذون سيئاتك، وهم لا يشعرون، والظلم ظلمات يوم القيامة.
وفقك الله تعالى لما يحبه ويرضاه.