السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا لا أبادر الحديث مع الناس، تحديدا اللواتي أقابلهن في الاجتماعات العائلية، وهذه لم تكن مشكلة لدي حتى تزوجت.
في البداية وقبل كل شيء، أنا أؤمن إيمانا تاما بأن كل ما يتم تداوله في المناسبات ما هو إلا كما هائلا من التفاهات والمجاملات، إلا أنني في الحقيقة أود لو كنت مثلهن في سلاسة الحديث، وبراعة التمثيل، ربما لأمحو اتهامات زوجي بأنني غير اجتماعية ولا أحب أهله!
نشأت في مدينة كبيرة تخلو من أقاربي بين فتيات، ترتيبي الرابع، أقمت صداقات عدة في طفولتي وحتى السادسة عشرة من عمري، ثم بدأت أنعزل قليلا، وأرشدت استهلاك الكلمات وتعدد الصداقات، لكنني لم أزل في البيت كما كنت كثيرة االكلام، متمسكة بحس الفكاهة -التي يتقبلها ويحبها والدي، مني تحديدا-.
أنا لا أكتفي بأنني لا أبدأ حوارا مع الناس، بل حتى حين تكلمني إحدى قريباتي الغريبات، فإنني أتوتر -غالبا-، وأتحسس عدة مناطق في جسمي دون أن أشعر، بشكل مثير للشفقة، وأظن ذلك بسبب ثلاثة أمور:
أولا: لا بد أن أركز وأسمع جيدا، لأنني بدون مبالغة لا بد أن أقول: ماذا؟ بعد كل جملة تقال لي، علما أن سمعي طبيعي، ولا أعاني من مشاكل فيه إطلاقا -والحمد لله- وهذا يتكرر معي حتى خارج المناسبات العائلية، في المطعم مثلا، في المطار، أي مع أي شخص غريب.
ثانيا: كيف أعقب وأجيب بصواب؟ لأني متسرعة، فكثيرا ما أفهم السؤال بشكل خاطئ، فأتلفظ بكلمات لا تمت للموضوع بصلة، ومن هذا على ما يبدو، تولدت عندي فكرة أن كلامي بمجمله بلا قيمة، ولا يضفي للموضوع شيئا، فلماذا أتكلم؟ هكذا أنا، كلما تأهبت للكلام فكرت كثيرا فيه، حتى أتراجع.
ثالثا: لا بد أن أجامل، لأنني لا أراني مهذبة بدون المجاملات، فأنا صريحة جدا كما يقولون، وحقيقة أتعب كثيرا في المجاملة، ولا أحب أن أكون على غير طبيعتي، مثال: دعتني زوجة صديق زوجي -المتملقة جدا- لبيتها، وقد لبيت الدعوة بسعادة ظاهرة، بالرغم من أنني لم أستمتع معها بعدما شاهدتها للمرة الأولى، ومنذ أن دعتني وأنا أقول في نفسي: لطفك يا رب، كيف سأتحملها وأستمع إلى كلامها الفارغ؟ إنها تافهة جدا، ومواضيعها كذلك، وأنا أعلم أنها لا تستمتع معي، لأنه لا يوجد بيننا وفاق، وماذا عساني أقول؟ لا بد أن أجاريها، فأنا أيضا ليس لدي كلام مفيد أطرحه، لكن يجب أن أحذر من عدة أمور: كذا وكذا وكذا، وماذا أيضا؟ سأبدو لطيفة للغاية، حسنا سأقول أن شعرها جميل، بالرغم من أنه لم يعجبني، لكنها امتدحتني كثيرا تلك الليلة، وماذا أيضا؟ وبالفعل،، ومنذ وصلت احتضنتني وصارت تغالي في حبها واشتياقها لي، وأنا لم أشاهدها غير مرة واحدة فقط، ولم نتحدث حديثا ممتعا إطلاقا، وعندما خرجت شكرتها على دعوتها، وأخبرتها عن سعادتي العظيمة في لقائها، والوقت الممتع بقربها، وقد ردت لي بالمثل، وكلانا نكذب وأظنها تعرف هذا.
بالرغم من أنني واثقة من نفسي، من مظهري وآرائي، ودائما في خلوتي أتذكر إنجازاتي، والمواقف الإيجابية لصالحي، وتلفتني المرآة، وكلما حدقت بها أتغزل بصوت داخلي، إلا أنني أبدو للغريب خجولة مهتزة الثقة، هكذا أخبرتني صديقتي بعدما كانت إحدى الغرباء، فهل هذا طبيعي؟ أعني أني لا أسعى لبدء أي حوار، ولا أستمتع بالثرثرة، ولا أتقنها بالرغم من رغبتي فيها؟ فأنا لا أمانع أن أجلس مستمعة طوال فترة المناسبة، ولا أبالغ عندما أقول: طوال فترة المناسبة، لا أنطق بكلمة واحدة ما دام الحضور لم يطلبوا مني ذلك، كأن يلقوا علي سؤالا أو حتى ينظروا إلي خلال حديثهم , فأنا أتحاشا النظر لعيني المتكلم إن كان كلامه عاما، وذلك لئلا يستوجب علي الرد أو أن أومئ وأوحي بالتأثر في تعابير وجهي.
ملاحظة:
1- لقد كتبت النص، وراجعته، وصححته، ودققته، فأرجو ألا يغير فيه شيء فيختل بناؤه.
2- جزيل الشكر والعرفان لكل القائمين على الموقع الفضيل.