لا أستطيع المبادرة في الحديث ولا أحب المجاملات، فماذا أفعل؟

0 362

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا لا أبادر الحديث مع الناس، تحديدا اللواتي أقابلهن في الاجتماعات العائلية، وهذه لم تكن مشكلة لدي حتى تزوجت.

في البداية وقبل كل شيء، أنا أؤمن إيمانا تاما بأن كل ما يتم تداوله في المناسبات ما هو إلا كما هائلا من التفاهات والمجاملات، إلا أنني في الحقيقة أود لو كنت مثلهن في سلاسة الحديث، وبراعة التمثيل، ربما لأمحو اتهامات زوجي بأنني غير اجتماعية ولا أحب أهله!

نشأت في مدينة كبيرة تخلو من أقاربي بين فتيات، ترتيبي الرابع، أقمت صداقات عدة في طفولتي وحتى السادسة عشرة من عمري، ثم بدأت أنعزل قليلا، وأرشدت استهلاك الكلمات وتعدد الصداقات، لكنني لم أزل في البيت كما كنت كثيرة االكلام، متمسكة بحس الفكاهة -التي يتقبلها ويحبها والدي، مني تحديدا-.

أنا لا أكتفي بأنني لا أبدأ حوارا مع الناس، بل حتى حين تكلمني إحدى قريباتي الغريبات، فإنني أتوتر -غالبا-، وأتحسس عدة مناطق في جسمي دون أن أشعر، بشكل مثير للشفقة، وأظن ذلك بسبب ثلاثة أمور:
أولا: لا بد أن أركز وأسمع جيدا، لأنني بدون مبالغة لا بد أن أقول: ماذا؟ بعد كل جملة تقال لي، علما أن سمعي طبيعي، ولا أعاني من مشاكل فيه إطلاقا -والحمد لله- وهذا يتكرر معي حتى خارج المناسبات العائلية، في المطعم مثلا، في المطار، أي مع أي شخص غريب.

ثانيا: كيف أعقب وأجيب بصواب؟ لأني متسرعة، فكثيرا ما أفهم السؤال بشكل خاطئ، فأتلفظ بكلمات لا تمت للموضوع بصلة، ومن هذا على ما يبدو، تولدت عندي فكرة أن كلامي بمجمله بلا قيمة، ولا يضفي للموضوع شيئا، فلماذا أتكلم؟ هكذا أنا، كلما تأهبت للكلام فكرت كثيرا فيه، حتى أتراجع.

ثالثا: لا بد أن أجامل، لأنني لا أراني مهذبة بدون المجاملات، فأنا صريحة جدا كما يقولون، وحقيقة أتعب كثيرا في المجاملة، ولا أحب أن أكون على غير طبيعتي، مثال: دعتني زوجة صديق زوجي -المتملقة جدا- لبيتها، وقد لبيت الدعوة بسعادة ظاهرة، بالرغم من أنني لم أستمتع معها بعدما شاهدتها للمرة الأولى، ومنذ أن دعتني وأنا أقول في نفسي: لطفك يا رب، كيف سأتحملها وأستمع إلى كلامها الفارغ؟ إنها تافهة جدا، ومواضيعها كذلك، وأنا أعلم أنها لا تستمتع معي، لأنه لا يوجد بيننا وفاق، وماذا عساني أقول؟ لا بد أن أجاريها، فأنا أيضا ليس لدي كلام مفيد أطرحه، لكن يجب أن أحذر من عدة أمور: كذا وكذا وكذا، وماذا أيضا؟ سأبدو لطيفة للغاية، حسنا سأقول أن شعرها جميل، بالرغم من أنه لم يعجبني، لكنها امتدحتني كثيرا تلك الليلة، وماذا أيضا؟ وبالفعل،، ومنذ وصلت احتضنتني وصارت تغالي في حبها واشتياقها لي، وأنا لم أشاهدها غير مرة واحدة فقط، ولم نتحدث حديثا ممتعا إطلاقا، وعندما خرجت شكرتها على دعوتها، وأخبرتها عن سعادتي العظيمة في لقائها، والوقت الممتع بقربها، وقد ردت لي بالمثل، وكلانا نكذب وأظنها تعرف هذا.

بالرغم من أنني واثقة من نفسي، من مظهري وآرائي، ودائما في خلوتي أتذكر إنجازاتي، والمواقف الإيجابية لصالحي، وتلفتني المرآة، وكلما حدقت بها أتغزل بصوت داخلي، إلا أنني أبدو للغريب خجولة مهتزة الثقة، هكذا أخبرتني صديقتي بعدما كانت إحدى الغرباء، فهل هذا طبيعي؟ أعني أني لا أسعى لبدء أي حوار، ولا أستمتع بالثرثرة، ولا أتقنها بالرغم من رغبتي فيها؟ فأنا لا أمانع أن أجلس مستمعة طوال فترة المناسبة، ولا أبالغ عندما أقول: طوال فترة المناسبة، لا أنطق بكلمة واحدة ما دام الحضور لم يطلبوا مني ذلك، كأن يلقوا علي سؤالا أو حتى ينظروا إلي خلال حديثهم , فأنا أتحاشا النظر لعيني المتكلم إن كان كلامه عاما، وذلك لئلا يستوجب علي الرد أو أن أومئ وأوحي بالتأثر في تعابير وجهي.

ملاحظة:
1- لقد كتبت النص، وراجعته، وصححته، ودققته، فأرجو ألا يغير فيه شيء فيختل بناؤه.
2- جزيل الشكر والعرفان لكل القائمين على الموقع الفضيل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صبا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا بما في نفسك، وأكيد أنه ليس بالأمر السهل، أعانك الله وخفف عنك، واطمئني بأن سؤالك قد كتب بشكل ممتاز.

ربما مما يفيدك أن تذكري أن أفضل تعريف أو تشخيص للحالة التي وردت في سؤالك، هي حالة من الرهاب الاجتماعي، وليس شيئا من ضعف الشخصية، أو خلل ما، وإنما هي طبيعة ردود أفعالك وتفاعلك مع الظروف من حولك، وكل هذا بسبب التربية والتنشئة التي تلقيتها في طفولتك، وكما أشرت لذلك في سؤالك.

وربما يفيد أن لعل ما ورد في سؤالك يتراوح أيضا بين الرهاب الاجتماعي وبين ضعف المهارات الاجتماعية، وإن كان يبدو أنه الأول، وخاصة أنك ذكرت عن قوة شخصيتك، فهذا يرجح عندي موضوع الرهاب الاجتماعي، وهو نوع من الارتباك والحرج في بعض المواقف الاجتماعية، كالحديث مع الناس أو مواجهتهم، وسواء كان الموقف إيجابيا كتقديمهم للإطراء أو سلبيا كالقيام بانتقادك حيث تشعرين بالأعراض التي وردت في سؤالك.

والرهاب الاجتماعي حالة قد تبدأ فجأة، وأحيانا من دون مقدمات أو مؤشرات، حيث يشعر الشخص بالحرج والارتباك في بعض الأوساط الاجتماعية، وخاصة أمام جمع من الناس، وفي بعض المناسبات، وكما يحدث معك عندما تكونين مع النساء الأخريات، وقد يتشعرين باحمرار الوجه وتسارع ضربات القلب وتلعثم الكلام، بينما تجدين نفسك تتكلمين بشكل طبيعي ومريح، عندما تكونين في صحبة شخصين أو ثلاثة فقط.

واطمئني ففي معظم الحالات، ينمو الشخص ويتجاوز هذه الحالة، وخاصة عندما يتفهم طبيعة هذه الحالة، وبحيث لا يعود في حيرة من أمره، ولا يدري ما يجري معه، فهذا الفهم والإدراك لما يجري، وأنه حالة من الرهاب الاجتماعي، ربما هي الخطوة الأولى في العلاج والشفاء، كي لا يذهب ذهنك لمكان بعيد.

وللتخلص من هذا الحال حاولي التفكير الإيجابي بالصفات والإمكانات الحسنة الموجودة عندك، وحاولي أن لا تتجنبي الأماكن الخاصة التي تشعرين فيها بهذا الارتباك؛ لأن هذا التجنب قد يزيد الأعراض ولا ينقصها، والنصيحة الأفضل أن تقتحمي مثل هذه التجمعات النسائية وغيرها، ورويدا رويدا ستلاحظين أنك بدأت بالتأقلم والتكيف مع هذه الظروف الاجتماعية.

وإذا استمرت الحالة أكثر ولم تستطيعي السيطرة عليها، فيمكنك مراجعة الطبيب النفسي الذي يمكن بالإضافة للعلاج المعرفي السلوكي
-والذي يقوم على ما سبق ذكره من التشجيع على اقتحام المواقف المربكة- فيمكن للطبيب أيضا أن يصف لك أحد الأدوية التي يمكن أن تخفف بعض هذا الرهاب، وإن كان العلاج الأساسي يقوم على العلاج السلوكي المعرفي، والغالب قد لا تحتاجين للدواء.

وفقك الله وحفظك من كل سوء.

مواد ذات صلة

الاستشارات