السؤال
الدكتور محمد عبد العليم، تحية طيبة، وبعد:
لم تجد الأدوية معي نفعا، رغم تناولها لمدة تفوق التسعة أشهر، فقد جربت (الاستالوبرام) و(الافكسور) بأقصى الجرعات (20ملج + 150ملج تزامنا)، ومن قبلهما (السيرترالين)، 50 ملجم، حسب إرشادات الطبيب، دون جدوى حقيقية، فالأفكار تغزوني في كل لحظة! منها ما هو وسواسي، ومنها ما يتعلق بالذكريات، ومنها ما هو تحليل للأمور اليومية، عدا عن حالة الاكتئاب التي لا تزال مسيطرة جنبا إلى جنب مع القلق والتوتر والشعور أنني على حافة الجنون أو أنني أصبت به فعلا!
أشعر أن المشكلة تكمن في عدم إفراز الموصلات بالصورة المنتظمة الصحيحة، وأشعر حقا أن الدماء لا تتدفق في رأسي كما كانت سابقا قبل إصابتي بالمرض؛ فأنا محروم من كل شعور طبيعي كنت أشعر به قبل المرض؛ من استرخاء أو تركيز أو تفكير منتظم أو حزن أو فرح أو نعاس أو جوع أو عطش، لم يعد هناك شيء يسير في طريقه الصحيح، فقد تبعثرت كل الأمور، وكثيرا ما يراودني الشك أن ما أعانيه ليس اكتئابا، رغم عدم قوة ما ينفيه، كوجود فصام مثلا، فليس ثمة أعراض إيجابية.
رغم أن الحالة قد بدأت بحزن عميق (اكتئاب) أفضى إلى مأساة أعمق (تبلد)، فشخصيتي تغيرت أو قل تدمرت بفعل المرض؛ فكم عانيت وأعاني من البحث عن ذاتي الحقيقية السليمة بمشاعرها وطريقة تفكيرها وكل ما فيها، حتى بحساسيتها الزائدة وخجلها، مضى الآن أكثر من العامين، فهل أنتظر أكثر من ذلك؟!
أسئلتي هي:
1- هل حان الوقت لخوض مغامرة العلاج بالجلسات الكهربائية بعد فشل الأدوية أم أجرب دواء ثالثا ورابعا، رغم فقداني الثقة بكل الأدوية؟
2- ما أخطر ما قد يكون من سلبيات للعلاج بالصدمات الكهربائية؟
3- ماذا سيحدث لو تم إعطاء جلسة كهربائية لشخص سليم لا يشكو مرضا (تهمني الإجابة)؟
4- هل الاكتئاب يشفى تلقائيا بعد مرور مدة زمنية طويلة، مهما كان قاسيا أم أنها أضغاث أحلام؟!
أرجو الإجابة بكل صراحة وموضوعية، ولك مني جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohammad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنت محتاج لإرادة التحسن؛ لأن إرادة التحسن، هي التي تؤدي إلى التغيير؛ {إن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
إرادة التحسن تنتج داخليا ولا تستورد، هذا أمر مهم وضروري، وهذا يتطلب منك تغييرا معرفيا وفكريا، وأن تثق بمقدراتك، وأن تطور ذاتك.
أخي الكريم، الاكتئاب وغيره لا يمكن أن يعالج فقط من خلال الأدوية، وحتى بعض العلماء مثل: (آرون بك) يقولون: إن الاكتئاب أصلا هو مشكلة فكرية، وليس مشكلة مزاجية، وحتى إن كانت هنالك مشكلة مزاجية، فهي ثانوية، تعقب الفكر السلبي. هذه نظرية محترمة جدا.
إذا لا بد من تغيير الفكر السلبي، وأن يكون الإنسان إيجابيا في أفكاره وفي أفعاله مهما كانت مشاعره، هذا قطعا يؤدي إلى تغيير كبير وكبير جدا، وأول ما أريدك أن تبدأ به هو أن تعمل؛ فالحياة بدون عمل لا فائدة فيها، والاكتئاب يتحين الناس من هذه الزاوية؛ لأن الذي لا يعمل قطعا لا يشعر بأهمية نفسية داخلية أو اجتماعية، كما أنه لا يطور ذاته ولا يطور مهاراته.
أخي الكريم، النفس تذبل، النفس تضعف، النفس تتفتت، فالعمل مهم وضروري جدا، والعلاج بالعمل، هو من أفضل أنواع العلاج الذي يركز عليه الآن.
الاستمرار على مضادات الاكتئاب أمر جيد، ولا تكثر من هذه الأدوية، دواء واحد بجرعة محترمة، مع تنظيم الوقت وممارسة الرياضة، والإصرار على التواصل الاجتماعي، وحل مشكلة العمل – كما ذكرنا–؛ أعتقد أن هذا هو علاجك -أيها الفاضل الكريم-.
بالنسبة للإجابة على أسئلتك:
حالتك لا تتطلب ولن تستجيب للجلسات الكهربائية؛ لأنها حالة فكرية سلبية في المقام الأول، والعلاج الكهربائي من أفضل أنوع العلاجات في حالات الاكتئاب الذهاني الشديد المطبق، وهو اكتئاب بيولوجي وكيميائي المنشأ في المقام الأول.
- ما أخطر ما قد يكون من سلبيات للعلاج بالصدمات الكهربائية؟
الصدمات الكهربائية ليس فيها خطورة، والآن التكنولوجيا ساعدت كثيرا في سلامة الأجهزة، وتنظيم الذبذبات والتحكم في التيار الكهربائي والتوازن الكامل للإيقاعات الدماغية، ليس هنالك سلبيات حقيقية، ربما يشعر الإنسان فقط بآلام جسدية بعد هذه الجلسات، وبعض الناس قد يشتكي من ذبول أو ضعف بسيط في الذاكرة.
- ماذا سوف يحدث لو تم إعطاء جلسة كهربائية لشخص سليم؟
لن يحدث أي شيء، وسوف يفيق منها، وقد يحدث له ألم جسدي بسيط، ومن ثم تكون الأمور طبيعية، لكن جلسة كهربائية واحدة لا تعالج، الجلسات الكهربائية عددها من أربع إلى أربعين دون مبالغة، وهناك أناس يحتاجون من ست إلى ثمان جلسات، هذا بالنسبة للأشخاص الذين تتطلب حالتهم العلاج بهذه الجلسات، وليست حالتك أنت.
- هل الاكتئاب يشفى تلقائيا بعد مرور مدة زمنية طويلة مهما كان قاسيا؟
نعم -أيها الفاضل الكريم-، الاكتئاب يشفى؛ لأن الإنسان يتطور، لكن يجب أن نكون حريصين على أن يكون التطور إيجابيا، وليس تطورا سلبيا؛ لذا كن حريصا جدا، وأنصحك أن تجعل لحياتك معنى، ومن أفضل المعاني العمل.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.