السؤال
السلام عليكم
(الدكتور الفاضل: محمد عبدالعليم).
أشكرك جزيل الشكر على ما تقوم به من جهد وحرص وأمانة عملية، وأنت بالتأكيد لست بحاجة لإطرائي، ولكنك بالتأكيد بحاجة لدعائي ودعاء كل من يعاني بأي شكل من الأشكال، فجزاك الله خير الجزاء، أنت وكل القائمين على هذا الموقع المحترم، بما تقومون به من جهد جبار، وحرص تام على مساعدة الناس بكل صدق وشفافية وسعة صدر، فجعله الله في ميزان حسناتكم ولا أراكم الله مكروها.
دكتورنا المحترم، أفيدكم أني سبق وأن تواصلت معكم سابقا، وقدمتم لي الكثير من النصح والتحليل بما عاد علي بالفائدة -ولله الحمد- وكنت على ما أذكر استشرتكم في علاج (ويلبترين)، الذي وصف لي من قبل أحد الأطباء النفسيين الذي شخص حالتي بالاكتئاب البسيط، ولكن حقيقة استخدمته 6 أشهر على كلام الطبيب ولم أجد فيه الفائدة المرجوة، وكانت استشارتي لك بحسب مخاوفي من الأعراض، وخصوصا الكسل والجنس، وكنت أثنيت على العلاج من هذا الباب فقط، وكنت صريحا معي، والحقيقة أني وجدت نفسي مع العلاج قد ازددت في التوتر على وجه الخصوص، وقد يكون السبب الأكبر في وصف هذا العلاج مخاوفي من الآثار الجانبية أكثر مما كان للحالة التي أشتكي منها.
لذلك سأوضح حالتي بشيء من التفصيل، فأنا بعمر 38 سنة، متزوج، وعندي طفلان، ولله الحمد، أعاني من القولون العصبي منذ عدة سنوات، ومشاكل في المعدة، أرى نفسي غير مكتئب إطلاقا من باب أني مبتسم في أكثر أوقاتي، خصوصا وسط عائلتي، ولا أجد نفسي حزينا أبدا، ونومي ولله الحمد منتظم، ولا أعاني من الأرق أو التفكير، ولكني في المقابل لا أرى نفسي سعيدا.
أنا فعلا بدون عمل، لدي مشاكل مادية في حياتي، وهي كثرة الديون، ولكن لا يقلقني المستقبل أو الخوف منه، ولا يقلقني الحصول على المال؛ ليقيني التام أن الأرزاق بيد الله، ولكن قد يكون قلقلي ولو كان داخليا هو من الديون.
أنا شخص شديد الصبر والتحمل، حتى في أسوأ الظروف، ولله الحمد، أنا لا أشتكي لأي شخص، خصوصا عائلتي، وأرى أني أصبحت قليل الكلام، وأفضل الصمت في كثير من الأحيان، وكثيرا أجد نفسي مشدودا ومتوترا داخليا في حياتي اليومية، ولكن المشكلة الأكبر لدي هي عند مقابلة أحد من الأشخاص سواء مراجعات أو مقابلات أو مناسبات أجد نفسي متلعثما، وصوتي يخرج كأنه صوت الخائف من شيء وأشعر بضيقة بسيطة في الصدر، وكذلك أفضل في المناسبات أن أكون مستمعا وغير مشارك في الحديث.
علما أني لا أنقطع من المناسبات، وأنا شخص اجتماعي بطبعي، ولا أحب الوحدة، وهذه المشكلة الأكبر لدي، وأيضا أجد نفسي أحيانا أخاف من بعض المواقف السيئة فتتقلص عضلات البطن، ويضيق النفس علما أني لم أكن أخاف إطلاقا في المواقف الصعبة، فما هو الوصف لحالتي؟ وهل من علاج دوائي يكون بسيطا وغير إدماني، ولا يؤثر على الجنس ولا يسبب الخمول والكسل، ويكون محسنا للمزاج العام؟ فأنا ولله الحمد، محتوي نفسي وعائلتي، ومتفائل دائما.
هل (الفلوناكسول) علاج مناسب لحالتي، لأني متابع لكم باستمرار ووجدت حالات تتشابه إلى حد ما لمن وصفتم لهم هذا العلاج، فأتمنى أن تصفوا الحالة والعلاج المناسب، بحسب علمكم.
جزاكم الله الجنة.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/mohammed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أقول لك جزاك الله خيرا على كلامك الطيب، ومن قال لأخيه جزاك الله خيرا فقد أجزل في الثناء، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن ينفع بنا وبكم.
أخي الكريم: شرحك واف ودقيق وجميل، ويدل بفضل الله تعالى على صبر وقدرة معرفية جلية.
أخي الكريم: هذا يجب أن يعود عليك بالمردود الإيجابي، والمؤثرات الحياتية السلبية، مثل الديون لا ننكر أنها بالفعل قد تؤدي إلى شيء من الجراحات النفسية، لكنها في حالتك -إن شاء الله تعالى- بسيطة، وأنت صابر ومحتسب، واسأل الله تعالى أن يقضي دينك، وقل هذا الدعاء: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك).
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجده يوما فنظر فإذا بأحد أصحابه وحيدا في ساعة لا يجلس فيها في المسجد - وهو أرحم بنا من أمهاتنا وأبر بنا من أنفسنا - فسأله ما الذي أجلسك يا أبا أمامة؟ ما الذي أجلسك في هذه الساعة؟ فقال: يا رسول الله هموم أصابتني وديون ركبتني، أصابني الهم وغلبني الدين - الذي هو هم الليل وذل النهار - فقال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك قال بلى يا رسول الله قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني).
خذ بالأسباب، وضع الخطط الحياتية التي من خلالها يمكنك أن تتخلص من هذا الدين بإذن الله تعالى.
من الواضح جدا أنك تحاول أن تدفع عنك بعيدا الفكر السلبي، وهذا أمر جيد، والإنسان من الناحية السلوكية هو مثلث، ضلعه الأول هو الأفكار، والضلع الثاني المشاعر، والضلع الثالث هو الأفعال، وسلبية الأفكار تؤدي إلى سلبية المشاعر، وكلاهما يؤدي قطعا إلى سلبية الأفعال؛ لذا نقول دائما للإخوة والأخوات الذين يسيطر عليهم الفكر السلبي: نشطوا الأفعال، أصروا على الأداء، أصروا على الإنجاز، وهذا قطعا ينعكس إيجابا على الأفكار وعلى المشاعر؛ مما يجعل الإنسان ينطلق سلوكيا.
أخي الكريم: أنت لديك إيجابيات كثيرة في حياتك، وأنا متأكد أن السعي نحو تطويرها سيقلص لديك الشعور بالسلبيات.
من الناحية التشخيصية أنا أستطيع أن أقول: إنه لديك شيء من عسر المزاج، لم يصل حقيقة للمرحلة الاكتئابية الشديدة أو حتى المتوسطة أو المطبقة، وربما يكون لديك شيء أيضا من التوجس الاجتماعي البسيط، فأنت لست مرتاحا حقيقة للتواصل الاجتماعي في جميع الحالات، وربما تحملك أيضا للضغوط النفسية شديد، وهذا يظهر في شكل إسقاط على أدائك الاجتماعي مما يجعلك غير مرتاح.
عموما – أخي الكريم-: هذه ظواهر، وأنت لست بمريض، هذا هو الذي يجب أن أؤكده لك، وعليك بالدفع النفسي الإيجابي، عليك بترتيب حياتك، واجعلها دائما على نمط إيجابي، وحل مشكلة الديون هذا -إن شاء الله تعالى- يتيسر، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه).
بالنسبة للعلاج الدوائي: أفضل علاج لحالتك هو أحد الأدوية التي لم تجد فرصتها الكاملة في منطقتنا بكل أسف، والدواء هو (مكلوباميد Moclobenide) والذي يعرف تجاريا باسم (أوروكس Aurorix) تنتجه شركة (روش)، هو دواء جيد وفاعل جدا لعلاج الاكتئاب، وكذلك الخوف الاجتماعي البسيط، وليس له آثار جنسية سلبية مطلقا، ولا يزيد من التكاسل أو النعاس، كما أنه لا يزيد الوزن.
الجرعة القصوى هي أربعمائة وخمسون مليجراما في اليوم، لكن أعتقد أن مائة وخمسين مليجراما صباحا ومساء – أي ثلاثمائة مليجرام – يوميا سوف تكون كافية جدا في حالتك، أنت تحتاج لهذا الدواء تقريبا لمدة ستة أشهر إن وجدته.
الدواء الآخر هو الـ (فالدوكسان Valdoxan) وهو من أحد الأدوية الجديدة، ويمكن أن تطلع عليه، وإذا اقتنعت به هذا سوف يكون بديلا جيدا.
الفلوناكسول ليس هنالك ما يمنع من تناوله عند اللزوم، هو دواء بسيط جدا، حبة صباحا ومساء قد تكون جيدة في حالات القلق والتوتر البسيط.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.