السؤال
السلام عليكم.
الشيطان يوسوس لي، ويساعدني في ارتكاب الذنوب والمعاصي، وأجاهد نفسي وأستعيذ منه، وإذا أذنبت هل أتوب وأعيد الشهادتين، أم ماذا أعمل؟ أنا مصابة بالوسواس القهري، وقبل قليل كنت أفكر ماذا أكتب لكم كي تعينوني على ترك وساوس الشيطان؟ أنا لا أتعمد العصيان، وخائفة من الموت، وكيف أقابل الله بعد ذلك؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله المخلصة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يخرجك من هذه الوساوس على خير، وأن يرزقك القوة على رد كيد الشيطان عن نفسك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يزيدك صلاحا وهدى واستقامة وثباتا على دينه، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة-، فالذي ينبغي عليك أن تعلميه أن الشيطان –لعنه الله– يتدرج مع الإنسان، ويستعمل معه خطوات تدريجية، بمعنى أنه لا يمكن أبدا أن يأتيه ليقول له اكفر مباشرة، وإنما كما قال الله -تبارك وتعالى-: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}، فالشيطان يبدأ بخطوة خطوة، يبدأ أولا بالمعاصي الظاهرة البسيطة، فإذا وقع الإنسان فيها فإنه يفتح أمامه أبوابا أخرى من المعاصي، وقد تكون المعاصي في أولها صغيرة إلا أنه ينتقل منها إلى الكبيرة، ومن الكبيرة حتى يصل بالعبد إلى أكبر الكبائر، ثم يأتي بعد ذلك الشرك والكفر والخروج من الملة -والعياذ بالله-.
ولذلك علينا أن نجتهد قدر استطاعتنا في عدم الاستسلام للشيطان، وأن نتخذه عدوا، وأن نعلم بأنه {يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}، فأنت أذنبت ذنبا بسيطا فيتعين عليك التوبة من هذا الذنب أولا بأول، وعدم تأجيل التوبة، فإذا وجدك الشيطان قوية في هذا الجانب، ووجدك تقاومين رغبته في الوقوع في المعاصي الظاهرة؛ فإنه ينتقل إلى ميدان آخر وهو قلبك، وذلك بأن يوقعك في الوساوس، الوساوس بأنواعها، ومنها الوساوس الخطيرة، وهي الوساوس العقدية (الإيمانية)، الوساوس الكفرية، ولذلك يبدأ مثلا يشكك في ذات الله، أو في النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد يحرك لسانك بعبارات سب، أو غير ذلك من الأمور التي تؤلمك جدا، والتي تزعجك غاية الإزعاج، وهذا في الواقع أمر يزعج الإنسان جدا، لكن من رحمة الله أنه جل جلاله لا يترك عباده أبدا نهبا أو كلأ مباحا للشيطان، وإنما إذا لجأ الواحد منا إلى الله بصدق فإن الله يقف معه، ولذلك أنت تقرئين في الصلاة في سورة الفاتحة {إياك نعبد وإياك نستعين} أي نعبدك لا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك.
فدائما تحتاجين إلى اللجوء إلى الله -تبارك وتعالى- بالدعاء، والإلحاح عليه أن يعافيك من هذه الوساوس المزعجة التي تسبب لك إزعاجا شديدا، فعليك بالدعاء دائما، وأسأل الله أن يصرف عنك كيد الشيطان.
ثم عليك بعدم الاستسلام لهذه الأفكار وعدم الالتفات لها، ومحاولة احتقارها على قدر الاستطاعة، وقولي: إن الله تبارك وتعالى أعز وأجل من أن يأخذ بكلامك أيها الشيطان اللعين.
حاولي –بارك الله فيك– أن تردي عنك وساوس الشيطان قدر استطاعتك، وألا تستسلمي له، وألا تقفي أمام هذه الترهات وتلك الأفكار الفاسدة، وإنما حاولي مقاومة هذه الوساوس، ولا تخافي، فإن هذا الأمر الذي يحدث لك قد حدث لغيرك أيضا من الناس، وعافاهم الله، بل إن الصحابة –رضي الله تعالى عنهم– كان بعضهم يأتيه هذا الأمر، يأتيه الشيطان فيشككه في الله، وقد يدفع على لسانه بعض العبارات المزعجة، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين لهم أن هذا كله لا اعتبار له ما دام ليس مستقرا في عقيدة الإنسان، وقد قال -الله تعالى-: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}، فما دامت هذه ليست عقيدتك، وما دمت تحبين الله؛ فلا تشغلي بالك بهذه الأفكار.
ولكني أنصحك بالدخول إلى بعض الاستشارات المناسبة لاستشارتك، لأن هناك استشارات كثيرة فيها علاج طبي أيضا، وفيها آلية للتعامل مع مثل هذه الحالات، ولعل الأخ الاستشاري النفسي يدلك على بعض الأدوية التي تساعدك في التخلص من هذا الوسواس القهري، وأسأل الله أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء.
هذا وبالله التوفيق.
____________________________
انتهت إجابة الشيخ/ موافي عزب -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
____________________________
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب، وقد أفادك الشيخ موافي عزب –حفظه الله– بما يجب أن تأخذيه بكامله، وتبني فكرا معرفيا جديدا قائما على ما ذكر لك من إرشاد شرعي وديني وسلوكي، ومن ناحيتي أنا كطبيب نفسي أقول لك -أيتها الفاضلة الكريمة-:
الوساوس في جلها لا تقود الإنسان إلى فعل المعاصي، فهنالك جزئية بسيطة نسميها بالوساوس الخناسية، وهذه إن وقع فيها الإنسان إذا تحمل مسؤوليته حيال نفسه، وعرف وعلم أنه سوف يحاسب على ما جرى، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن الشيطان سوف يخنس، وهنا يكون قضي الأمر.
وأي مخالفات شرعية وذنوب ومعاصي تأتي بعد ذلك هي مسؤولية الإنسان، وهو محاسب عليها ولا شك في ذلك.
يا أيتها الفاضلة الكريمة-: أمر الشيطان محسوم تماما في قضية الوساوس، وكيده ضعيف، والإنسان مكرم، وكثيرا ما يلجأ بعض الناس إلى التبريرات والنكران والركون إلى تحميل الشيطان المسؤولية، لا، نحن المسؤولون عن تصرفاتنا وأفعالنا.
الوساوس القهرية في جلها هي طبية، وأنت –أيتها الفاضلة الكريمة– ما يأتيك من وسواس يجب أن تحقريه، يجب ألا تعطيه أي فرصة، ولا تناقشيه، ولا تحلليه أبدا.
الوسواس تعسفي جدا واستحواذي جدا، متى ما بدأ الإنسان في مناقشته سوف يستشري أكثر ويسيطر أكثر، أغلقي عليه الباب من خلال عدم محاورته، وتحقيره.
الخوف من الموت أمر جميل وأمر طيب، والذي لا يخاف من الموت -هادم اللذات- فهو من الغافلين، لأن الموت يعني الآخرة، والآخرة تعني العمل لها، {والآخرة خير وأبقى}، والذي لا يخاف من الموت لا يخاف من الحياة أيضا دون أن يشعر بذلك.
يا أيتها الفاضلة الكريمة: اجعلي خوفك خوفا شرعيا، واعرفي أن الخوف من الموت لا يزيد في عمر الإنسان لحظة، ولا ينقص من عمره لحظة، عيشي الحياة بكل قوة، بكل مصداقية، طوري مهاراتك، كوني إنسانية مثابرة، ومفيدة لغيرك ولنفسك، وهذا سوف يؤدي إلى إزاحة كاملة للوسوسة، والتي لن تجد إلى نفسك طريقا.
أنا أبشرك بأن الأدوية فاعلة جدا في طرد الوساوس وفي علاجها تماما، لكن يجب أن تدعميها بما ذكره الشيخ موافي وما ذكرته لك.
من أفضل الأدوية التي سوف تفيدك عقار يعرف باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، وهذا الدواء يرخص باستعماله لمن هم في فوق 18 عاما، فإن كنت من هذه الفئة العمرية –أي أكبر من 18 عاما–؛ فاستعملي البروزاك، وجرعته هي كبسولة واحدة يوميا، قوة الكبسولة هي عشرون مليجراما، يتم تناولها بعد الأكل، استمري عليها لمدة شهر، ثم اجعليها كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم اجعليها كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
البروزاك دواء فاعل جدا لطرد الوساوس القهرية والمخاوف وتحسين المزاج، وإن قابلت طبيبا نفسيا فهذا أيضا فيه خير كثير لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.