السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا لدي انجذاب شديد إلى الانطواء عن الناس، والمشكلة أن هذا لا يضايقني، أكره الناس لطريقة تفكيرهم وكلامهم، وأتأثر كثيرا بتصرفاتهم، فتجدني أتصيد كذبهم وكأنني أبحث عن حافز لنبذهم، ليس لي أصدقاء، ليس لشيء سيئ وإنما لعدم فهمي لتصرفاتهم، ليس لي أي علاقات مع الجنس الآخر، ليست لي أهداف ولا روح مبادرة، ولا أقوم بشيء سوى مشاهدة التلفاز، والعمل على الحاسوب.
أعاقب نفسي وأمقتها، وأكره شكل جسدي، ليس لأنني سمين، فالكل يقول لي: إن جسدك عادي جدا، لكني أرى نفسي بصورة سيئة، أكلم نفسي أحيانا، وأضحك على أمور أتذكرها أو تحكيها لي نفسي، أكره التحدث مع والدي، تعرضت لصدمات كثيرة، منها عائلية، ومنها عاطفية، ودراسية.
علاقتي بأفراد عائلتي سطحية، والمشكلة الكبرى: أن العمل الذي أزاوله يحتم علي الاحتكاك بالناس، حيث بعد مدة بدأ الناس يلاحظون انطوائيتي، وهذا يؤثر علي جدا، فماذا أفعل؟
الأمر أصبح عادة لدي، ويعجبني الحال هكذا، فهل هذا أمر يحتاج مني تغييره؟ أنا أعلم أن باقي الأمور الأخرى غير طبيعية، والله أنا مشوش التفكير.
أرجو مساعدتكم، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كثيرا ما تكون الانطوائية مرتبطة بقلق داخلي، يجعل الإنسان متكدرا، ويكون همه كله مراقبة محيطه بشيء من الوجل والتحسس وعدم الطمأنينة، وأعتقد أن هذا هو الذي يحدث لك -أيها الفاضل الكريم- وهذا قطعا يؤدي إلى الشعور بعدم الارتياح، وربما شعور أيضا بالكدر في بعض الأحيان.
والانطواء والانزواء والخجل يؤدي إلى افتقاد الفاعلية، واضمحلال وتدهور المهارات الشخصية، لكن يجب أن نفرق بين الانطواء الخجلي، والانطواء الذي ينتج من الحياء، الحياء عظيم جدا، وفيه الخير كله، وهو قافل لأبواب الشر، ولا شك في ذلك.
فيا أخي الكريم: أريدك أن تتصور أن هذا الانطواء سببه شيء من الحياء، وليس كله خجلا فطريا، أو رهابا اجتماعيا، وعليك بأن تصحح مفاهيمك، أولا بالنسبة للآخرين، لماذا تتصيد كذبهم؟ لا بد أن تسأل نفسك: هل كل شعور يأتيني أو كل فكرة تأتيني أتبعها دون أن أقوم بعملية تصفية وفلترة، لا يجب أن تقوم بذلك وأنا أنصحك نصيحة بسيطة جدا: اقبل الآخرين كما هم، لا كما تريد، هذا لا يعني السلبية في التعامل مع الناس، لا، اقبلهم كما هم لا كما تريد، وهذا سوف يرسل لهم إشارات إيجابية جدا، وبهذا تكون قد أصلحتهم، وفي ذات الوقت أرحت نفسك.
حاول أن تخالط الصالحين من الأنقياء، والأتقياء، والمفلحين، وتجدهم في كل مكان، تجدهم في المساجد، تجدهم في دور العلم، تجدهم في قاعات المحاضرات، تجدهم في مرافق الرياضة، هم كثر جدا، فاجعل لنفسك نصيبا من هذه البيئة العظيمة، ولا تحجر نفسك، وتجعلها مستعبدة في مشاهدة التليفزيون، أو الجلوس على الحاسوب كما يفعل البعض.
إذا اجعل لنفسك جداول زمنية منضبطة، تدير من خلالها حياتك، وتكون فعالا في جميع المرافق على نطاق عملك، النطاق الاجتماعي، الترويح عن النفس بالمباحات، ولطائف الحياة، ويا أخي الكريم، أنصحك بالقراءة والاطلاع، والاكتساب المعرفي، هذا مهم جدا، ومن أفضل ما يكسر بؤر الانطوائية الحقيقية هي الصلاة مع الجماعة، ابدأ بالصفوف الخلفية إن كنت تجد في الصفوف الأمامية حرجا، ثم بعد ذلك انتقل من صف إلى صف حتى تكون خلف الإمام، وتفكر في إنك ربما تحتاج أن تكون في مكان هذا الإمام.
أخي الكريم: أنا لا أطلب منك أمرا خياليا أو صعبا، لا، هذا تطبيق عملي حياتي، وإن شاء الله تعالى سيفتح لك مسارات عظيمة، مسارات خيري الدنيا والآخرة.
سوف تستفيد كثيرا من علاجات دوائية بسيطة، والحمد لله تعالى يوجد لديكم في الجزائر عقار باروكستين، والذي يسمى زيروكسات، الجرعة المطلوبة في حالتك بسيطة جدا، ابدأ بنصف حبة أي 10 مليجراما، تتناولها ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك تجعلها حبة كاملة ليلا تتناولها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعل نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناولها.
أخي الكريم: بما أنك تعمل شرطيا أرجو أن تستفيد جدا من التمارين الرياضية، ويا حبذا لو شاركت زملاءك في أي نشاط رياضي جماعي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.